كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَفِيه بَابَانِ
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الصَّنْفُ الأَوَّلُ الفَقِيرُ وَهُوَ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ أَصْلاً وَلاَ يَقْدِرُ (ح) عَلَى كَسْبِ يَلِيقُ بِمُرُوءَتِهِ، أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ وَلَكِنْ يَمْنَعُهُ الاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ التَّفَقهِ وَهُوَ مُتَفِّقَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ عَنِ اسْتِغْرَاقِ الوَقْتِ بِالعِبَادَاتِ، فَلاَ يُعْطَى سَهْمَ الفُقَرَاءِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الزَّمَانَةُ، وَلاَ التَّعَفُّفُ عَنِ السُّؤَالِ فِي استِحقَاقِ هَذَا السَّهْمِ عَلَى الجَدِيدِ (و).
قَالَ الرَّافِعِيُّ: اسم الصَّدَقَاتِ يشملُ الزكَوَاتِ والتطوُّعات، والكِتَابُ وافٍ بالنَّوْعَينِ، وأنَّهما إلَى من يصرفان؟ وكيف يُصْرَفَان؟ إلاَّ أنَّ النوعَ الثانِيَ لا يطُولُ الكلامُ فيه، فرسه مسألةً في آخر الباب الثاني، وحقُّه أنْ يقطعَ عنِ النَّوْع الأول بالكلِّيَّة، ولا يجعل مسألةً في فصوله، أما الزكاةُ: فالقَوْلُ فيما تُؤَدِّي وَتُؤَدَّى منه، ومَنْ عليه مستوفًى في "كتاب الزكاة"، وأما الذي تؤدَّى إليه، فله عَقْدُ هذا الكتاب، ثم من الأصحابَ مَنْ يُورِدُ مقْصُود هذا البَابِ في "كتَابِ الزكاة" مَقْروناً بسائِرِ فُصُولهَا، والشافعيُّ وأكثر الأصْحَاب -رضي الله عنهم- أوردُوهُ هاهنا مقروناً بقسم "الفيء والغنيمة"، ولكلِّ وجهٌ؛ فالأول ظاهِرةٌ، وأما الثانِي؛ فَلأَنَّ كلَّ واحدٍ من هذه الأموالِ يتولَّى الإمامُ جَمْعَها، ثم تفريقَهَا، وقِسْمَتَها عَلَى من يضرب فيها بسَهْم إلاَّ أنَّ ذلك يحصُلُ من الكفار، وهذا من المسلِمِينَ، والأصلُ فيه قولُهُ تعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة-60] الآية، ولا بدَّ من بيان الأصنافِ الثمانيةِ، وكيفية الصَّرْف إليهم فأودعهما في بابين.
أما الأول: فالصِّنْف الأَوَّل: "الفقيرُ"؛ وهو الذي لا مَالَ له، ولا كَسب يقع موقعاً من حاجته فالمالُ الذي لا يقع موقعاً؛ كما إذا كان يحتاجُ إلَى عشرةٍ، وهو لا يملك إلاَّ درهَمَيْنِ أو ثلاثةً، لا يُسْلَبُ اسم الفقير، وكذا الدَّارُ التي يسكُنُها، والثوبُ الَّذي يلبسُهُ متجمِّلاً به، ذكره صاحب "التهذيب" وغيره، ولم يتعرَّضوا لِعَبْدِهِ، الَّذي يحتاجُ إلَى خدمته، وهو في سائر الأصُولِ ملحقٌ بالمسكن (?) ولو كان عليه دَيْنٌ، فيمكن أنْ يقال: