قال: وأَهلُ الفَيْء هم الذابون، عن البَيْضة، والمجاهدون للعَدُوِّ، وقد يحتج له بظَاهِرِ قول ابن عَبَّاسِ -رضي الله عنهما- أن أهْلَ الفَيْءِ كانُوا في زمانِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمَعْزِلٍ عن الصَّدَقة، وأهْل الصَّدَقَة بمعزلٍ عن الفَيْء، وإِذا فقد بعض الأَصناف، وُزِّع نصيبه على البَاقِين، كما في الزَّكَاة، إِلاَّ سهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه مصرُوفٌ بعده إِلى المَصَالحُ كَما تقدَّم، ولا يجوز الصَّرْف إِلى كافر؛ كالزكاة، ولا يجُوزُ الاقتصار عَلَى إِعطاء ثلاثةٍ من المساكين، وأبناء السَّبيل، وبمثله أَجابوا في الزكاة، إِذا كان الإِمامُ هو الذي يقسِّم عَلَى ما سيأتي (?).
قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ فَقَدْ كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَهُ ثَلاَثةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا): أَنَّه لِلْمَصَالِحِ كَخُمْسِ الخُمْسِ (وَالثَّانِي): أَنَّهُ يُقَسَّمُ كَمَا يُقَسَّمُ الخُمْسُ فَيَكُونُ جُمْلَةُ الفَيْءِ مَقْسُوماً بِخَمْسَةِ أقْسَامٍ كَمَا دل ظَاهِرُ الكِتَابَ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ): وَهُوَ الأَظْهَرُ أنَّهُ لِلْمُرْتَزِقَةِ المُقَاتِلِينَ كَأرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الغَنِيمَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد تبيَّن مَصْرف خُمْس الفَيْء، فأَما أَربعة أَخْمَاسه، فإِنَّها كانَتْ لرسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته مضمومة إِلَى خمس الخمس، فجملةُ ما كان -صلى الله عليه وسلم- احَدٌ وعشْرُونَ سَهْماً من خَمْسَة وعشْرِين سهماً، هكذا ذكر الأكْثَرُون.
ومنهم: من قال: إِنَّ جميع الفَيْء كانَ له -صلى الله عليه وسلم- وقد نقله "الوسيط" مع أنه قال فيه: إِن خُمْسَ الخُمْسِ كان له، وإِن أربعة أَخماس الفَيْء كانت له، ولا معنى لتَخْصِيصها بالذِّكْر مع القول بأَنَّ الكلَّ كان له ثُم ذكر أَبو العَبَّاس الرويانيُّ هاهنا شَيْئَيْنِ:
أَحدهما: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَصْرفُ الأَخماس الأربعة إِلى المَصَالح، وهل كان ذلك واجباً علَيْه أَو تفضُّلاً منه، قيل: فيه طريقانِ، وهذا الخلافُ يوجِبُ الخلاف في قَوْلِنا: إنها كانت له.
والثاني: حَكَى خلافاً في أَنه، مِنْ أَين كانَ يأْخُذُ قوته، وقُوتَ عياله، ففي وجهٍ: يأَخذه من أَربعةِ أَخماس الفَيْء، وفي وجهٍ: من خمس الفيء، والغنمية، فهذا حكمها في حياته.