ما يملكه الأَنْبِيَاء -عليه السلام- لا يورث عنْهم، كما اشتهر في الخَبَر، وأَما بعده -صلى الله عليه وسلم- فإِنَّه يصرف هذ السَّهْم إِلَى مصالِح المسلِمِين، كسدِّ الثغور، وعمارة الحُصُون، والقناطِرِ، والمَسَاجِدِ، وأَرزاق القضاةِ، وَالأَئِمَّة، ويقدَّم الأَهَمُّ فالأهُّم منْها.

ونقل الشافعيُّ -رضي الله عنه- عن بَعْضِ أَهل العلْمِ: أَنَّ هذا السهْمَ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُرَدُّ عَلَى أَهل السهمان التي ذَكَرَهَا الله تعالَى معه، وقد جعلَ بعض الأَصحاب هَذَا فيما رواه أبو الفرجَ الزاز قولاً للشافعيِّ -رضي الله عنه- لأنه بعد ما نقله اسْتَحْسَنَهُ، والمذهبُ الأَوَّلُ، وبجوز أن يُعْلَمَ لهذا قوله في الكتاب "فخمس هذا المال مقسومٌ بخمسة أَسهم" بالواو، وأَيضاً بالحاء، والألف، والميم؛ لأن عند أبي حنيفة وأحمد -رحمهم الله-: أنه لا يخمس الفيْءُ لا جميعه للمصالِحِ.

ومن أَصحابنا مَنْ يروِي عن أبي حنيفة: أَنَّه يقسَّم جميع الفيء عَلَى ثلاثةِ أَسهمٍ؛ لليتامَى، والمساكين، وابن السبيلِ، كما يقوله في خُمْس الغنيمة، ويروَى عنه أَنَّ خمس الفيء والغنيمة يقسَّم عَلَى أَربعةٍ: ثلاثةٍ لهؤلاءِ، وواحد للفقراء من ذوي القُرْبَى، وعن مالك -رحمه الله- أَنه لا يلزم تخْميسُ الفيء، بل يصرفُهُ الإِمامُ إلَى حيثُ يرَى المصْلَحَةَ فيه

وقوله "بحكم نصِّ الكتابِ" المراد منه أصلُ القسْمة بالأَسهم الخَمْسة، وهو المنصوصُ عليه لا قسمة الخُمْس بالأَسهم الخَمْسة، أَمَّا أنَّ ظاهر الآية يقتضي قسْمَةَ جميع الفَيْء بالأسْهُم الخمسة، فسنتكلَّم فيه.

وقوله "مصروف إِلَى مصالِحِ المسْلِمِينَ" مُعْلَمٌ بالواو؛ لأن في "الوسيط" حكايةَ وجهٍ عن الأَصحاب: أَن سهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصْرَفُ إِلَى الإمام؛ لأنه خليفته، والأكَثرون نقلوه مذهباً لبعض النَّاس، ولم ينسبوه إِلى الأصْحَاب.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: السَّهْمُ الثَّانِى لِذَوِي القُرْبَى وَهُمْ أَقَارِبُ رَسُولِ اللهِ كَبَنِي هَاشِمُ وَبَنِي المُطَّلِبُ، دُونَ غيرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ، وَيَشْتَرِكُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الغَنِيُّ وَالفَقِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ وَالرَّجُلُ وَالمَرْأَةُ وَالغَائِبُ وَالحَاضِرُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الانْتِسَابُ لِجِهَةِ الآبَاءِ، وَلاَ يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ بِالذُّكُورَةَ: فَإنَّهُ يَضْعُفُ بِهِ الحَقُّ كَمَا في المِيرَاثِ.

قَالَ الرَّافِعِىُّ: المرادُ "مِنْ ذوي القُرْبَى" أَقاربُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- المنتسبون إلَى هاشمٍ، وإلَى المطَّلِب ابنَيْ عَبْدِ منافٍ دون غيرهم مَن بني عَبْدِ شَمْسٍ، ويَنِي نَوْفَلِ، وإِن كان عبْدُ شمسٍ، ونوفلٌ ابنَيْ عبد مناف أَيضاً؛ لما رُوِيَ عن جُبَيْرِ بن مُطْعَمٍ -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا قَسَّمَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- سَهْمَ ذَوِي القُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِم، وَبَنِي المُطَّلِبِ، أَتَيتُ أنا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رضي الله عنه- رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا بَنُو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015