قال الغزالي: وَوَقْتُ العِشَاءِ يَدْخُلُ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، وَهُوَ الحُمْرَةُ (ح) الَّتِي تَلِي الشَّمْسَ دُونَ البَيَاضِ والصُّفُرَةِ، ثُمَّ يَمْتَدْ وَقْتُ الاخْتِيَارِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ عَلَى قَوْلٍ، وَإِلَى النِّصْفِ عَلَى قَوْلٍ، وَوَقْتُ الجَوَازِ اِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ.
قال الرافعي: إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، لما روينا من [خبر] (?) جبريل عليه السلام: "والشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ" (?) وبه قال مالك وأحمد خلافاً لأبي حنيفة والمزني، حيث قال: هو البياض الذي يعقب الحمرة، ويروى عن أحمد أن الاعتبار في الصحراء بالحمرة، وفي البنيان بالبياض.
لنا: ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: في الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتِ الصَّلاَةُ". وإلى متى يمتد وقت الاختيار؟ فيه قولان.
أصحهما: إلى ثلث الليل لبيان جبريل عليه السلام.
والثاني: إلى نصف الليل.
وبه قال أبو حنيفة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرتُهُمْ بالسَّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ" (?). وعن أحمد روايتان، كالقولين ثم يستمر وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني. وفيه وجه آخر: أنه إذا ذهب وقت الاختيار على اختلاف القولين فقد ذهب وقت الجواز أيضاً، أما على قول: "الثلث" فلحديث جبريل عليه السلام حيث قال: "الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ".
وأما على قول النصف فلما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَقْتُ الْعِشَاءِ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ" (?)، إلى هذا الوجه ذهب الإصطخري، وكذلك أبو بكر الفارسي فيما حكى المعلق عن الشيخ أبي محمد، والمذهب الأول.
واحتجوا له بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصَّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِرَكْعَةٍ" (?).