استحيضت- فهل نجعل المدة الطويلة طهراً لها؟ قال القفال: لا، إذ يبعد أن لا نحكم بحيضها سنة أو سنتين، والحد الفاصل بين ما يكون طهراً بين حيضتين، ويثبت عادة وبين ما لا يكون كذلك تسعون يوماً، خمسة عشر فما دونها حيض والباقي طهر، لأن عدة الآيسة تنقضي بهذا القدر، والعدة وجبت لبراءة الرحم، والدور الواحد مظنّة البراءة بدليل الاسْتِبْرَاء، فلو تصور أن يزيد الدور على هذا القدر لما اكتفى به، وهذا هو الذي أورده في الكتاب -وعلى هذا لو زاد الطّهر المتقدم على الاسْتِحَاضَة على القدر المذكور نظر فيما قبل ذلك، إن كان لها طهر على الحد المعتبر- جعل طهرها بعد الاستحاضة ذلك القدر، وإلاَّ فحكمها في الطّهر حكم المبتدأة، ووجه تشبيه مسألة النّفاس بهذه المسألة أنّا لا نجعل عدم الحَيْض في المدّة الطويلة عادة لها، فكذلك عدم النّفاس لا يصير عادة، والذي يوافق إطلاق أكثر الأصحاب الرّد إلى عادتها في الطهر، طالت المدة أو قصرت، وقد نص عليه الشيخ أبو حامد والمقتدون به، ويدل عليه ظاهر خبر المعتادة التي استفتت لها أم سلمة كما سبق فإنه مطلق فوجب إعلام قوله: "فلا نقيم الدور سنة" بالواو لهذا المعنى.
قال الغزالي: (الثَّانِيَةُ) المُبْتَدَأَةُ إِذَا اسْتُحِيضَتْ تُرَدُّ إلَى لَحْظَة عَلَى قَوْلٍ، وَإلَى أَرْبَعِينَ عَلَى قَوْلٍ، (الثَّالِثَةُ) المُمَيِّزَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الحَائِضِ فِي شَرْطِ التَّمْيِيزِ إِلاَّ أَنَّ السِّتيِّنَ ههُنَا بِمَثَابَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الدَّمُ القَوِيُّ عَلَيْهِ.
قال الرافعي: إذا استحيضت في النّفاس وهي مبتدأة، فننظر هل هي مميزة بشرط التمييز أم لا؛ فإن لم تكن، ففيها قولان:
أصحهما: الرد إلى الأقل، وهو لحظة.
والثاني: الرد إلى الغالب، وهو أربعون يوماً، وفي المسألة طريقة أخرى عن ابْنِ سُرَيْجٍ وأبي إسحاق، وهي الجزم بالرد إلى الأقل، والمشهور إثبات القولين كما في الحَيْض، وهو الذي ذكره في الكتاب.
وحكى في "العدّة" قولاً ثالثاً، وهو الرّد إلى أكثر النّفاس، ونقله قولاً عن الشّافعي غريب نعم هو مشهور بالمزنِيّ وينبغي أن يعلّم قوله: "إلى لحظة" و"إلى الأربعين" كلاهما بالزاي، لذلك ثم منهم من خصص ذهابه إليه بالمبتدأة ومنهم من طرده في المعتادة أيضاً، وحينئذ يكون مذهبه مثل الوجه الأول من الوجهين اللّذين حكيناهما في المعتادة على خلاف ظاهر المذهب، ثم ننظر في حال هذه النفساء إن كانت معتادة في الحَيْضِ حيث تعد مرد النّفاس قدر طهرها استحاضة ثم تبتدئ الحيض على عادتها، وإن كانت مبتدأة في الحيض أيضاً أقمنا لها الطهر والحيض كما يقتضيه حال المبتدأة،