قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِذَا أَوْصَى لِجِيرَانِهِ أُعْطِيَ لِأَرْبَعِينَ (ح و) جاراً مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبَ قُدَّامٍ وَخَلْفٍ وَيَمينٍ وَشِمَالٍ لِلحَدِيثِ، وَاسْمُ القُرَّاءِ لِمَنْ يَحْفَظُ جَمِيعَ القُرْآنِ، فَإنْ لَمْ يَحْفَظْ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ فَوَجْهَانٍ، وَالعُلَمَاءُ يُنَزَّلُ عَلَى العُلَمَاءِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّفْسِيرُ وَالحَدِيثُ وَالفِقْهُ، وَلاَ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَسْمَعُ الحَدِيثَ فَقَطْ وَلاَ عِلْمَ لَهُ بِطَرِيقِ الحَدِيثِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: في الفصل صور:
إحداها: لو أوصَى لجيرانه، فالمشهورُ من المذْهَب أنه يُصْرَفُ إلى أربعين داراً مِن كل جانب من الجوانب الأربعةِ؛ لِمَا رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "حَقُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارَاً هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا وأَشَارَ قُدَّاماً، وَخَلْفاً، وَيميناً، وَشِمَالاً" (?).
وعند أبي حنيفة -رحمه الله- الجار هو الذي يلاصق دارُه دارَهُ، وحَكاه بعضُهم وجهاً لنا.
وقال الأستاذ أبو منصورٍ: من يلاصق دارُه دارَهُ من الجوانب جارٌ، وفيمن ليس بملاصقٍ كالذي بابُ دارِهِ حذاء بابِ دارِهِ، والذين هم في زقاقٍ واحدٍ غير نافذ -اختلافٌ للأصحاب (?).
وقال أحمد -رحمه الله- فيما روى صاحب "التهذيب" وغيره: إن جيرانه الَّذين يحْضُرُون مسْجِدَه، والمشْهُور عنه كالمَشْهور من مذْهَبِنا.
الثانية: إذا أوصَى للقُرَّاء، لم يُصْرَفْ إلَى من يقرأ بعْضَ القرآن، بل إلى الَّذينَ يقرؤون الجميع؛ لأنهم الذين يقع الاسم عليهم في العَادَةِ، وهلْ يدْخُلُ فيه من لا يحْفَظ، ويقرأ من المُصْحَف؟ فيه وجهان؛ يُنْظَرُ في أحدهما إلى الوضع، وفي الثاني إلى العُرْف، وهو الأظهر، ولك أن تقول: اسم القراء، والمقرِئِينَ في هذه الأعْصَارِ يُطْلَقُ على الحُفَّاظ، وعلى الذين يَقْرَؤُونَ بالألحان.
وبالمعنَى الثاني لا يُشْتَرطُ لإطلاق اللَّفْظ الحِفْظُ، ولا قراءة جميع القرآن، فيجوز أن يُقَالَ: إنْ كان هناك قرينةٌ تُفْهِمَ أحد المعنَيَينِ، فذاك، وإلاَّ، فهُوَ كما لو أوصَى