قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا الدَّابَّةُ فَالوَصِيَّةُ لَهَا بَاطِلَةٌ إنْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ التَّمْلِيكَ، وإنْ فُسِّر بِالصَّرْفِ في عَلَفِهَا صَحَّ، وَهَل يُفْتَقَرُ إلى قُبُولِ المَالِكِ؟ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ قَبِلَ فَهَلْ يَلْزَمُ صَرْفُهُ إِلَى الدَّابَّةِ، أَم هُوَ كَالوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ؟ فَوَجْهَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيتُ لِلمَسْجِدِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ كَالدَّابَّةِ، وَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ إِذَا فُسِّرَ بِالصَّرْفِ إلى مَصَالِحِهِ، وَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُ المُطْلَقِ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ بِخِلاَفِ الدَّابَّةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المسألة الثالثة: إذا أوصَى لدابَّة الغير، وقصد تمليكها، فالوصيَّة باطلة، وبمثله أجابوا فيما إذا أطلق؛ لأن مطْلَقَ اللفظ للتَّمْلِيك، والدَّابَّة لاَ تُمْلَكْ، وَفَرَقُوا بين الوصيَّة المطلقة للدابة وبين الوصيَّة المطْلَقَةِ للعَبْدِ، بأن العبد ينتظمُ الخطابَ معه، ويتأتَّى القبول منه؛ وربَّما يُعْتَقُ قبل موت الموصِي، فيثبُتُ المِلْك له، بخلاف الدابَّة، لكنه قد مرَّ في "الوقْف" ذكر وجْهَين؛ فيما إذا أطلق الواقِفُ عليها أنَّه، هَلْ يكون وَقْفاً عَلَى مالكها، فيشبه أن تكون الوصيَّة على ذلك الخِلاف؟ وقد يُفْرَقُ بينهما بأن الوصيَّة تمليك محضٌ، فينبغي أن يُضاف إلَى من يُمَلَّكُ.
والوقفُ ليس بتمليكٍ محضٍ، بل ليس بتمليلكٍ، إذا قلنا: إن الملك فيه يزول إلى الله تعالَى، فيجوز أن تحتمل فيه الإضافةُ إلَى من لا يملك.
ولو فُسِرَ الوصية للدابَّةَ بالصَّرْف في عَلَفِها، صحَّت الوصية؛ لأن صرف علف الدابة على مالِكِهَا، فالقصدُ بهذه الوصية المالك، هكذا نقل المصنِّف وصاحب "التهذيب" وغيرهما.
لكنا ذكَرْنا في "الوقْف"؛ أن أبا سعْدٍ المتولِّي -رحمه الله- حكَى فيما لو وقفَ على علف بهيمة الغَيْر وجْهين؛ في صحَّة الوقْف، ويشبه أن يكون هذا في مَعْناه، وإذا قُلْنا بالصحَّة، وهو الظاهر، ففي اشتراط القبول وجهان:
أحدهما: واختاره أبو زيد: أنَّه لا يُشتَرطُ وتجعل هذه الوصية للدابَّة، "ففي كلِّ كَبدٍ حَرَّى (?) أَجْرٌ".