فَإذَا جَازَ تمليكُ مَا لم يُوجَدْ، جَاز تمليكُ مَنْ لم يُوجَدْ، وهذا مَا أَوْرَدَهُ الأُستاذُ أَبو منصورٍ -رَحِمهُ الله-.
وفيه وجةٌ ثالثٌ، وَهُوَ النَّظَرُ إلى حالِ المَوْتِ؛ فَإِنْ كَانَ الحملُ مَوجُوداً، حِينَئذٍ، صحَّتِ الوصيَّةُ. وإلاَّ، فَلاَ. وقولُه: "فَلَوْ أَوْصَى لحملٍ سَيكُونُ" دَخِيلٌ في هذا الرُّكْنِ، بلْ مَوْضِعُهُ الرُّكْنُ المعقودُ في الموصى به ولأن الحَامِلَ عَلَى ذَكْرِ [هِ] تَوْجِيهِ الوجهِ الثَّانِي، وَنحنُ نُؤَخِّرُ هذه المَسْألةَ، لِنَذْكُرُهَا مَعَ أخواتها، وهُنَاك؛ يُعْرَفُ أنَّ الوصيَّةَ بالمنافعِ جائزةٌ، بِلاَ خِلافٍ، وأَنَّ الوصيَّةَ بِثِمَارِ الأشْجَارِ مُخْتَلَفٌ فِيها، وأنَّ قولَه هَاهُنا "كالوصيَّة بالمنافعِ وثمارِ الأشجارِ" من طَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا العَبْدُ فَالوَصِيَةُ لَهُ صَحِيحَةٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ حُرّاً عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ فَهُوَ لَهُ، وَإلاَّ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَفِي افْتِقَارِهِ إلَى إِذْنِ السَّيِّدِ في القَبُولِ (و) خِلاَفٌ، وَكَذَا في مُبَاشَرَةِ السَّيِّدِ القُبُولَ بِنَفْسِهِ خِلاَفٌ (و)، وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ وَارِثٌ لَمْ يَصْحَّ (م)، لِأَنَّ المِلْكَ لِلوَارِثِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اَلاسْتِحْقَاقِ حُرّاً، أَوْ فِي مِلْكِ أَجْنَبِيِّ، وَيَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِأُمِّ الوَلَدِ، وَالمُكَاتَب، وَالمُدَبَّرِ إنْ أُعْتِقَ مِنَ الثُّلُثُ، وَإِلاَّ فَلاَ فَإنَّهُ عَبْدٌ وَارِثٌ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: العَبْدُ المُوصَى لَه: إمَّا أنْ يَكُونَ لأجْنَبِيٍّ، أَوْ للمُوصِي، أو لِوَارِثهِ.
القِسْمُ الأَوَّلُ: إذاً كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ، فتصحُّ الوصِيَّةُ، ثُمَّ لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يَسْتَمِرَّ رِقَّه، أَوْ لاَ يستمرَّ.
الحَالَةُ الأولى: أنْ يَسْتَمِرَّ رِقُّهُ، فالوصيَّةُ للسيِّدِ، حَتَّى لو قتل العبدُ المُوصَى له، لم تَبْطلِ الوصيَّةُ، ولو قتله سيدُ العبد، كَانَتْ وَصيَّتُه للقاتل (?)؛ وفي افتِقَارِ قَبُولِ العَبْدِ