ثمَّ بِالجِوَارِ، كَمَا في الصَّدَقَاتِ المُنَجَّزَةِ. وفِي "أمالي" أَبِي الفَرَجَ السَّرْخَسِيِّ -رَحمه الله-؛ أَنَّ مَنْ قَلَّ مَالُهُ، وكَثُرَ عِيَالُهُ، فَالْمُسْتَحَبُّ له أَلاَّ يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ بالوصية والمَشْهُورُ الأَوَّلُ (?).

إذاً تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَالْوَصِيَّة قَدْ يَكُونُ لِلإِنْسَانِ، وَقَدْ تَكُونُ إليه، والوَصِيَّةُ لَهُ قَدْ تَصِحُّ، وَقَدْ تَفْسُدُ، وَإِذَا صَحَّتْ، فَقَدْ يَسْتَمِرُّ المُوصِي عَلَيْهَا، وَقَدْ يَرْجِعُ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ، أُمْضِيَتْ، وحِكْمَ بِمُوجِبَهَا، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ مَحْصُورَةٌ في الكِتَابِ في أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ:

أَحَدُهَا: في أَرْكَانِ الوَصِيَّةِ، ويُبَيَّنْ فيه صحيحُهَا مِنْ فَاسِدِهَا.

وَالثَّانِي: في أَحْكَامِهَا، إِذَا صَحَّتْ، واسْتَمَرَّ الفوصِي عَلَيْهَا.

والثَّالِثُ: في الرُّجُوعِ عَنْهَا.

والرَّابعُ: في الوَصَايَا بِأرْكَانِهَا، وَأَحْكَامِهَا.

أَمَّا البَابُ الأَوَّلُ؛ فَلِلْوَصِيَّةِ عَلَى الرَّسْم الْمَعْهُودِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: المُوصِي، والوَصِيُّ، والمُوصَى لَهُ، والمُوصَى بِهِ. والصِّيغَةُ.

اَمَّا المُوصِي، فقال صَاحِبُ الكِتَابِ: "وَتَصِحُّ الوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وفِي هَذَا الضَّبْطِ قَيْدَانِ:

أَحَدُهُمَا: التَّكْلِيفُ، فَلاَ يَصِحُّ وَصِيَّةُ المَجْنُونِ، وَالمُبَرْسِمِ والمَغتُوهِ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ، والصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ، وَفِي وَصِيَّةِ الصبِيِّ المُمَيِّز وَتَدْبِيرِهِ قَوْلاَنِ:

أَرْجَحُهُمَا: عِنْدَ الأُسْتَاذِ أبي مَنْصُورٍ -رحمه الله-: أَنَّهُمَا صحيحتان؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ غُلاَمَاً مَنْ غَسَّانٍ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ، فَأَوْصَى لِبِنْتِ عَمٍّ لَهُ، وَلَهُ وَارِثٌ، فَرُفِعَتِ، القِصَّةُ إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015