أمّا الفَصْلُ الأَوَّلُ، فَهُوَ مُفْتَتَحٌ بِعَدِّ أسباب التَّوْرِيثِ، والعِبَارَاتُ فيهِ مختلفةٌ، وإنْ أدَّتْ مقْصُوداً واحِداً، وكثيراً ما يَتَّفِقُ ذَلِكَ في ضَوابطِ الفَرائِضِ، فَقالَ الأكثرُون: أسبابُ التَّوْرِيثِ ثلاثةٌ: قَرَابَةٌ، ونَكِاحٌ، وَوَلاءٌ, والأقَارِبُ يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ على تفْصِيلٍ سيأتِي. قال الله تَعالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75]: و [أما]، الزَّوْجَان فَيَرِثُ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا من الآخَر، قَالَ الله تَعالَىَ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء:12] والمرادُ من الوَلاَءِ أنَّ المُعتِقَ يَرِثُ مِنَ المُعتَقِ.
رُوِيَ أن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "وَرَّثَ بنْتَ حَمْزَةَ من مولى لَها" (?)، وَعَنَى هؤلاء بما ذَكَرُوه الأَسْبابَ الخاصَّة، ووراءها سَببٌ آخرُ عامٌّ، وهو الإسْلاَم، فَمَنْ مَاتَ، ولم يخلف من يرثه بالأسْباب الثلاثةِ، فمالُهُ لبَيْتِ المال؛ يرثه المسلمون بالعُصُوبة، كما يتحملون عنه الدّيَةَ.
وقد رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَنَا وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ" (?).
وفِيهِ وجْةٌ آخَرُ: أنَّه يُوضَعُ مالُهُ في بَيْتِ المالِ عَلَى سَبِيلِ المَصْلَحةِ لا إرْثاً؛ لأنَّه لا يَخْلُوا عَنِ ابْنِ عَمٍّ، وإنْ بَعُدَ فألحق ذلكَ بالمالِ الضائِعِ الذي لا يُرْجَى ظهورُ مالِكِهِ، ويُحْكَى هذَا عن أبي حنِيفَةَ، وأحْمَدَ، وأقَامَهُ القَاضِي الرُّويانِيُّ قَوْلاً عن روايةِ ابنِ اللَّبَّان، والأوَّلُ هُوَ المَذْهَبُ، ومنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بين الجهاتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، وقالَ: التَّوْرِيثُ