والثاني: قَالَ القَفَّالُ: ما تَكلَّم أحدٌ من الصحابة -رَضِي اللهُ عَنهُمْ- في الفَرَائِضِ، إلا وقَدْ وُجِدَ له قَوْلٌ في بعضِ المَسائِل هَجَرَهُ النَّاسُ بالاتَّفاقِ إلاَّ زَيْدٌ، فإنَّه لم يَقُل بقَوْلٍ مهجُورٍ بالاتِّفاقِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ كالعمومَيْنِ، إذَا وَرَدَ، وقَدْ خُصَّ أحَدُهُمَا بالاتِّفاقِ دُونَ الثَّانِي، كانَ الثَّانِي أَوْلَى، وقد يُعتَرَضُ فَيُقالُ: للكَلاَم مَجالٌ في أنَّ الوجْهَيْنِ، هل يُوجِبَانِ الرُّجْحَانَ، لَكنْ بتقدير التَّسْليم فالأخذ بما رُجِحَ عَنْدَهُ، أنه [إنْ] لَمْ يَكُن بَناهُ عَلَى الدَّلِيلِ في كلِّ مسألةٍ، لمْ يَخْرُجْ عن كونهِ تقليدًا، كالمقلَّدِ يأخُذُ بقَوْلِ مَن رَجَحَ عِنْدَهُ من المجتهدين، وإن كان بَنَاهُ علَى الدَّلِيلِ، فَهُوَ اجتهادٌ وافَقَ اجتهاداً، فلا مَعْنَى للقَوْلِ بأنَّه اختارَ مذْهَبَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ويُجابُ عَنْه بأنَّ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لمْ يُخْلِ مسألة عن احتجاج واستشهاد، لكنهُ اسْتَأْنَسَ بما رَجَحَ عنْدَهُ من مذْهَب زَيْدٍ، ورُبَّمَا تَرَكَ بهِ القياس الجليِّ، وعضَّدَ الخَفِيَّ. كقولِ الواحدِ من الصَّحابة، إذا انْتَشَرَ، ولم يُعْرَفْ لَهُ مخالفٌ؛ فباعتِبَار الاستئْنَاسِ، قيل: إنَّه أخَذَ بمذْهَبِ زَيْدٍ، وباعتبار الاحتجاج، قِيل: إنَّه لمْ يُقَلِّدْ، والله أعلم.
الفاتحَةُ الخامِسَةُ: يُبدأ من تركة الميِّتِ بمؤنة (?) تجهِيزِهِ المَعْرُوفِ؛ لأَنَّهُ يحتاجُ