وقوله: "وميراثُه لبَيْتِ المالِ" وكذلك "أرشُ جِنَايَتِهِ في بيتِ المالِ"، هذا قد ذكره مَرَّةً في أوَّل الحُكْم الثاني، وكَأَنَّ الغَرَضَ من إعادَتِهِ هاهنا بَيانُ أنَّه كما لاَ يمتنعُ ذَلِكَ بالتردُّدِ في إسلامِهِ، لا يمتنعُ بالتردُّد في حريتهِ.

قال الإمامُ: ويُحْتَمَلُ أن يُخَرَّج على التردُّدِ المذكورِ؛ لأنَّ مال بيْتِ المَال معصومٌ مضمونٌ به لا يُبْذَلُ إلا عَنْ تَحْقِيق، وإذا قُتِلَ اللقيطُ، فَقَدْ قلنا في وُجوب القصاصِ قولَيْنِ، واختلافَ الأصحاب في (?) مأْخَذِهَا، وينضمُّ إليها التردُّدُ في الحريَّة، فمن لا يَجْزَمُ القولَ بإسْلامه وحريته، لا يوجبُ القِصَاص علَى الحُرِّ المسْلِم بقَتْلِهِ، ويوجبه على الرَّقيقِ الكافر، ومن يَجْزِمُ بهما، يُخَرِّج وجُوبَ القِصاصِ بكُلِّ حاَلٍ على القولَيْن؛ بناءً علَى أنَّه لَيْسَ له وارثٌ معيَّنٌ.

وإن قيل خطأَ، فالواجبُ الديَةُ في أظْهرِ الوجْهَيْن؛ أَخْذاً بظاهِرِ الحُريَّةِ، وأقلّ الأمرَيْنِ من الدِّيَةِ أو القيمةِ في الثانِي؛ بناءً على أنَّ الحرية غَيْر مستَيْقَنَةٍ، فلا يؤاخَذُ الجاني بما لا يستيقن شَغْلُ ذِمَّتِهِ به.

قال الإمامُ: وقياسُ هذا أنْ يوجَبَ الأقلُّ من قيميه عبداً أو ديةَ مجوسيٍّ؛ لإمكان الحمل على التمجُّس، والخلافُ كالخلاف فيما إذاً قذفِه بَعْدَ البلوغ قاذفٌ، وادَّعَى رِقَّهُ، هل يُحَدُّ، وقد يُرَتَّبُ الخلافُ في القصاصِ على الخلافِ في الدِّيَّةِ، فيقال: إنْ لم يُوجِب الديةَ، فالقصاصُ أوْلى، وإنْ أوجبنَاهَا، ففي القصاصِ وجْهان؛ لسقوطِهِ بالشُّبهة، وإذا جَمَعَ بَيْنَهُما، حَصَلَ ثلاثةُ أوجه كَما ذكر في الكِتابِ.

ثالثها: وجوبُ الديةِ دون القِصاصِ وقوله: "وإنْ قتله عبدٌ قُتلَ بهِ وإن قتَلَه حرٌّ" إلى آخره يَنْبَنِي علَى وجوبِ القصاص بقتل مَنْ لاَ وَارِثَ له، فإنْ لم نوجِبْ، فلا فرقَ بين أن يكونَ القاتلُ عبداً أو حرّاً، فيجوزُ أن يُعْلَمَ قوله قُتلَ بالواو.

قال الغَزَالِيُّ (الحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُدَّعىَ رِقُّهُ، فَلاَ يُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْر صاحِبِ اليَدِ، وَلاَ مِنْ صَاحِبِ اليَدِ إِذَا كَانَ يَدُهُ عَنِ الالْتِقَاطِ، وَإِنْ لَم يَكُنْ فَيُحْكَمُ (و) لَهُ بِالرِّق ظَاهِراً، فَإِنْ بَلَغَ وَأَنْكَرَ فَفِي انْتِفَاءِ الرِّقِّ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الحالةُ الثانية أن يُدَّعَى رقُّه، وَلا بينة، وَمن ادَّعَى رِقَّ صغيرٍ لا تتيقَّنُ حرِّيَّتَهُ، سُمِعَتْ دعواهُ؛ لإمكانها، ثم لا يَخْلُو؛ إما أن يكون الصغيرُ في يده أو لا يكونَ، إن لم يكُنْ في يدهِ، لم يقبْل قوله، واحتاج إلى البَيِّنَةِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ الحُرِّيَّةُ، فلا يُتْرَكُ، إلا بحجَّةٍ بخلاف دعْوَى النَّسَب؛ لأَنَّ في قَبُولِها مصْلَحةً للطُّفْلِ، وإثباتَ حقٍّ له،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015