وأيضاً، فإنَّ إقامةَ البيِّنةِ على النَّسَب هما يَعْسُر، ولَوْ لَم يُثْبِتْهُ بالاستلحاق، لِضاع كثيرٌ من الإنساب، وقد سَبَق في "باب الإقْرار" بالنَّسَب ما يُشْتَرَط في الاستلحاق، ولا فَرْقَ في ذلك بيْن الملتقط وغيره، لكنْ يُسْتَحبُّ أن يُقَالَ للملتَقِط: مِنْ أين هو لَكَ؟ فربما يُتَوَهَّمُ أن يد الالتقاطِ تُفِيدُ النسب (?).

وعن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّه، إن استلحقَه الملْتَقِطُ، لم يلحق به؛ لأنَّ

الإنسانَ لا ينبذ ولدَه، ثم يَلْتَقِطه، إلاَّ أن يكون ممَّن لا يعيشُ لَهُ وَلَدٌ، فيُلْحَقُ به؛ لأنَّه قد يفعل مثل ذلك تفاؤُلاً ليعيش الْوَلَدُ، وإذَا أُلحِقَ بغَيْر الملتقِطِ، سُلِّم إليه؛ لأنَّ الأبَ أحقُّ بالتربية والحِفْظ من الأجنبىِّ.

واستلحاقُ الكافِرِ كاستلحاق المُسْلِمِ في ثُبُوتِ النَّسَب (?)، لاستوائِهِما في الجهاتِ المثبتة لِلنَسَّب.

وقوله في الكتاب "وفي الحُكْم بكُفْره تابعاً له ما سَبَق" لا حاجةَ إلَى ذِكْرِهِ، فإنَّ الكَلامَ الآن في النَّسَب، وأمَّا حُكْمُ الدّين، فَقَدْ تقدَّم.

وقوله: وإنْ بَلَغَ وأنْكَر، وقوله"وإن استلحق بالغاً" الصورتان مكررتان، قدْ مَرَّتا بشَرْحِهِما في "باب الإقرار" بالنسب والحاجة في الفصلِ إلى شَرْحِ مَسْأَلَتَيْنِ.

" الْمَسْأَلَةُ الأولى"

لو استلحقه عَبْدٌ، لَحِقَه، إنْ صَدَّقه السَّيِّدُ، وَإِنْ كَذَّبه، فكذلك نصَّ عليه هاهنا.

وعن نصِّه في "الدَّعاوَى" أنَّه ليس أهْلاً لِلاسْتِلْحاقِ، فحَصَلَ قولان:

أحدُهُما: المَنْعُ لما فيه من الإضْرَار بالسَّيِّدِ بسبب انقطاعِ الميراثِ عَنْه، لو أعْتَقَهُ.

وأصحُّهُمَا: اللُّحُوقُ؛ لأنَّ العَبْدَ كالحُرِّ في أمْر النَّسَبِ، لإمْكَان العلوقِ منْه بالنِّكَاح، وبوطء الشَبهة، ولا اعتبارَ بما ذَكَره من الإضْرَار؛ ألاَ تَرَى أنَّ مَنِ استلحق أبْناً، وله أخٌ، يُقْبَلُ استلحاقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015