إحْدَاهُمَا: إذا جاءَ مَنْ يَدَّعيها، نُظِرَ؛ إنْ لم يُقِم البيِّنة] عَلَى أنَّها له، ولا وصَفَها، لم يُرْفَعْ إلَيْه شيءٌ، إلاَّ أن يَعْلَمَ الملتقِطُ أنها له، فيَلْزَمُه الدَّفْع إليه، وإنْ أقام البيِّنَةَ، رُدَّت عليه، وإنْ وصَفَها، نُظِر؛ فإنْ لم يغْلِبْ على ظَنِّ الملتقِطِ صدْقُهُ لم يدْفَعْها إلَيْه على المشْهُور، وحكى الإمَامُ تَرَدُّداً في جواز الدَّفْع، وإن غَلَبَ على ظنِّه صدْقُهُ، جاز دَفْعُها إليه، وفي وجوبه وجهان نقلهما الإمامُ، وصاحبُ الكتابِ:

أحدُهما: وهو الروايةُ عن مالِك وأحْمَد -رضي الله عنهما-: أنَّه يجبُ؛ لأنَّ إقامةَ البيِّنةِ على اللّقَطَةِ قد تَعْسُرُ، وقد رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُها، فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا، فاَدْفَعْهَا إِلَيْهِ" (?).

وأصحُّهما: وهو الذي يَشْتَمِلُ علَيْه كُتُبُ عامَّةِ الأصْحَاب، وبه قال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: أنَّه لا يجبُ؛ لأنَّهُ مُدَّع، [فيحتاج إلى بَيِّنَةِ وعلى هذا فلو قال الواصِفُ: يلزَمُكَ تسلِيمُها إليَّ؛ فلَهُ أن يَحْلِفَ أنَّه] (?) لا يلزَمُه ذلك.

ولو قَالَ: تَعْلَمُ أنَّها مِلْكِي، فلَهُ أنْ يَحْلِفَ أنَّهُ لا يَعْلَمُ؛ لأنَّ الوصْفَ لا يفيدُ العِلْم. واختار صاحبُ الكتاب شَيْئاً متوسِّطاً بيْن الوجهَيْن، فقال: الأَوْلَى أن يُكْتَفَى بِعَدْلٍ واحِدٍ؛ لحُصُول الثِّقَةِ وظاَهرُ المذْهَبِ خلافُه.

وإذا دَفعها إلَى الوَاصِفِ، ثم جَاء آخَرُ، وأقامَ البيِّنةً على أنَّها له، فإن كانتْ باقيةً انْتُزِعَتْ منْه، ودُفِعَتْ إلى الثاني، وإنْ تَلِفَت عنْده، فهو بالخِيَار بيْن أن يُضَمَّنَ المُلْتَقِطُ أو الوَاصِفُ، فإن ضُمِّنَ الواصِفُ، لم يرجعْ على الملْتَقِطِ؛ للتَّلَف عنده، ولأنَّ الثانِيَ ظالمٌ بِزَعْمِه، فلا يُرْجَعُ عَلَى غير ظالمِهِ، وإنْ ضُمِّنَ الملتقِطُ رَجَعَ، إنْ لم يُقِرَّ للواصِف بالملْكِ، وإن أقرَّ، لم يَرْجعْ؛ مؤاخذةً له بقوله، هذا إذا دفع بنَفْسِه.

أمَّا إذا ألزَمَهُ الحاكم الدافعْ إلى الواصِفِ، لم يكُنْ لمقيم البيِّنة تضمينُه، ولو جاء الواصفُ بعدما تملَّكَ الملتقِطُ اللُّقَطَة، وأتْلَفَها، فعرَّفها له الملتَقطُ؛ لظنِّه صدْقَه، ثم جاء آخر، وأقامَ البيِّنةَ، فلَهُ مطالبَةُ الملْتَقطِ دُونَ الواصِفِ، لأنَّ الحاصِلَ عند الوَاصِفِ مَالُ المْلتَقِط لا مَالُهُ، وإذا غَرِمَ المْلتَقِطُ، فهلْ يرجع على الواصِفِ؟ يُنْظَرُ، هل أقرَّ له بالمِلْك عند الغرامَةِ أم لا؟ كما سبق، والله أعْلَمُ. فَرْعَانِ عنْ شَرْح القاضي ابن كجٍّ -[رحمه الله]-:

أحدُهُمَا: أقامَ مُدَّعِي اللُّقَطَة شاهدَيْن عدلَيْنِ عنْده، وعنْد الملتقط، وهما فاسِقَيْنِ عند القاضي، فعَنْ أبي الحَسَن وجْهان في أنَّ القاضِيَ، هل يلْزَمُه الدَّفْع؛ لاعترافهما بعْد التهمة؟ والصحيحُ المنعُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015