وإنْ شاء، تصدَّق بها علَى غيرِه، وإنْ شاء، حَفِظَها للمَالِك، ومهْما تصدَّقَ بها، ثمَّ جاء المالِكُ، فهو بالخيار بَيْن أن يجيز صَدَقَتَه وبين أن يغرمه، ويكونُ ثوابُ الصَّدقةِ للملْتَقِطِ. وعنْ مالك -رضي الله عنه-: أنَّهُ يجوزُ للغَنِيِّ تملُّكُ اللُّقَطَةِ، ولا يجوزُ للفَقِير. لنا: قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإلاَّ، فَشَأْنَكَ بِهَا" (?). ولم يَفْرِقْ بين الغنىِّ والفقير.
ورُوِيَ أنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْب -رضي الله عنه- وجَدَ صُرَّةً فِيهَا دَنَانِيرُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ -فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَعَرَفَ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلاَّ، فَاَسْتَمْتِعْ بِهَا" (?). وكانَ أُبَىٌّ -رضي الله عنه- عنده من المَيَاسِير.
وفي الفصْل مسأَلَتانِ:
إحداهما: مَنِ التقَطَ للتملُّكِ، وعَرَّف، ففِيهِ وجهان:
أحدُهُمَا: أنَّه يملكُ بمجرَّدِ مُضِيِّ السَّنَةِ؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ رَجُلاً قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجِدُ في السَّبِيل العَامِر مِنَ اللُّقَطَةِ؟ قال: "عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ، فَهيَ لَكَ" (?). وأصحُّهُمَا: أنَّه لا يملكُ ما لم يَخْتَرِ التملُّك؛ لَقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَشَأْنَكَ بِهَا" (?) فوَّض الأمْرَ إلَى خِيرَتِهِ. وعلى هذا، فثلاثةُ أوجُهٍ:
أحدُها: أنَّه يَكْفِيهِ تَجْديدُ قَصْدِ التملُّكِ، ولا حاجةَ إلى اللَّفظ لأن لفْظَ التملُّكِ، إنَّما يُعْتبر حَيْثُ يكون هنَاكَ إيجابٌ. وأصحهما: أنَّه لا بد من قوْله: تَمَلَّكُتُ، وما أَشْبَهَهُ؛ لأنَّه تملّكُ مالٍ بَبَدِل، فافتقر إلَى اللَّفْظ؛ كالتملُّك بالشِّراءِ.