قَالَ الغَزَالِيُّ: أَمَّا مَا يَفْسُدُ كَالطَّعَامِ فَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ الْتَقَطَ طَعَاماً فَلْيَأْكُلُهُ"، وَفِي مَعْنَاهُ الشَّاةُ فَإنَّهُ طَعَامٌ يَحْتَاجُ إلَى العَلَفِ، وَفِي الجَحْشِ وَصِغَارِ الحَيَوَانَاتِ الَّتِي لاَ تُؤْكَلُ خِلاَفٌ، فَقِيلَ: لاَ يَلْتَحِقُ بالشَّاةِ لأَنَّ التَّسَاهُلَ في الطَّعَامِ أَكْثَرُ، ثُمَّ في وُجُوبُ التَّعْرِيفِ بَعْدَ أَكْلِ الطَّعَامِ خِلاَفٌ (و)، وَإِنْ وَجَدَ طَعَاماً فِي بَلَدٍ فَقَدْ قيِلَ: يَبِيعُهُ وَيُعَرِّفُ ثَمَنَهُ لأَنَّ ذَلِكَ في الصَّحْرَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَقِيلَ بِخِلاَفِهِ لعُمُومِ الخَبَرِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الوَصْفُ الثانِي: أن يَكُونَ شَيْئاً لا يَفْسُدُ، أمَّا مَا يَفْسُدُ، فضَرْبان:
أحدُهُما: أنَّه لا [يمكِنُ] إبقاؤه كالهَرِيسَةِ والرُّطَبِ الذي لا يتتمر والبُقُول، فإنْ وجَده في بَرِّيَّةٍ، فهو بالخيارِ بَيْن أنْ يبيعَه، ويأْخُذَ ثَمَنَه، وبين أن يتملَّكَهُ في الحالِ، فيَأكَله، وَيَغْرَمَ قيمتَهُ، كما ذكرنا في الشَّاةِ، وحيث يجدُها إلاَّ أنَّ في الشاةِ خَصْلةً أخرَى، وهي إمْسَاكُهَا، وهو متعذِّرٌ ههنا وقد رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ وَجَدَ طَعَاماً، فَلْيَأْكُلُهُ، وَلا يَعَرِّفْهُ" (?).
وإن وجَدَه في بَلْدَةٍ أو قَريَةٍ؟ ذهَبَ المُزَنِيُّ إلَى أنَّ المسألةَ على قَوْلينِ:
أحدُهُمَا: وهو اختيارُ المزَنِيِّ: أنَّه ليس له الأَكْلُ؛ بل يبيعُه، ويأخذ ثمَنَه لمالكه؛ لأنَّ البيعَ متيسِّرٌ في العُمْرَان.
والثَّاني: أنَّه كما لو وَجَد في الصَّحْرَاءِ؛ لإطْلاَق الخبر، وهذا أَرْجَحُ عند عامَّة الأصْحَابِ، ومنْهُمْ من قطَع به، وقَضِيَّتُهُ ترجيحُ القَوْل بجواز أكْلِ الشَّاةِ، إذا وُجِدَتْ في الصَّحْراء، كما ذكَرَه الشيخُ أبو حامِدٍ، ويمكن أن يُفْرَقَ بينهما بَأنَّ الطَّعامَ قَدْ يَفْسُدُ إلَى أن يظْفَر بالمُشْتَرِي، فتمسَّ الحاجة إلَى أكْلِه، والشَّاةُ بخلافه.
إذا قلْنا: لا يجوزُ الأكْلُ، فلو أخذه لِلأَكْلِ، كان غَاصِبَاً، وحيث جَوَّزنا الأَكْلَ،