وفيهما وجّه نذكره في الفَصْل الواقعِ عَقِيبَ هذا الفصل.
والمذهبُ الأوَّل، ولذلك لا يجوز تأخيرُ القَبُول عن الإيجاب، بل يعتبر التواصل المعتاد، كما في البيع، وعن ابن سريج أنه يجوِّز تأخير القبول عن الإيجاب كما في الوصية، وهذا الخلاف حكاه كثيرٌ من الأصحاب في الهِبة، وصَاحِبُ "التتمة" خصَّصه بالهدية، ومَنَ التأخيرَ في الهِبَة جَزْماً.
والقياسُ التَّسويةُ بينهما، ثُمَّ في الهدايا التي يبعث بها من موْضِع إلَى موضع إذا اعتبرنا اللَّفْظ والقبول على الفَوْر، فإمَّا أنْ يُوكَل الرَّسُولُ ليوجب ويقبلَ المبَعُوثُ إلَيْه، وإمَّا أن يوجب المهدي، ويقبل المهدي إلَيْه عنْد الوُصُول إليه.
وإذا كانت الهبةُ ممَّن ليس له أهليَّةُ القبول؛ كالطفل، فيُنْظَر؛ إنْ كان الواهبُ أجنبياً قَبِلَ له مَنْ يلي أمره مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وقيِّمٍ، وإن كان الواهبُ مَنْ يلي أمره، فإنْ كان غيرَ الأبِ والجدِّ قَبِلَ له الحاكِمُ، أو مَنْ ينيبه.
وإن كان أباً أو جَدّاً، تولَّى الطرفين، وهل يحتاج إلَى لفظَي الإيجاب والقَبُول، أمْ يكتفي بأحدهما؟ فيه وجهان كما سبق في البَيْع.
قال الإمَامُ وموْضِعُ الوجهين في سبق القبول أما إذا أتَى بلفظ مستقل؛ بأنْ يقُولَ: اشترَيتُ لِطِفْلِي أو اتَّهَبْتُ كذا، أمَّا قَوْلُهُ: قَبِلْتُ البَيْع أو الهبة، فلا يمكن الاقتصار عليه بحال. ولا اعتبار بقبول المتعهّد الذي لا ولايةَ له على الطِّفل؛ خلافاً لأبي حنيفة -رضي الله عنه-. وإذا وهَب منْ عبْدِ إنسان، فالمعتبرُ قَبُولُ العبد، وفي افتقارِه إلَى إذْن السَّيِّد خلافٌ تقدَّم (?).
ولو وهَبَ منه شيئاً، فقبل في نصْفه أو عبْدين، فَقَبِل في أحدهما، ففيه وجهان.
والفَرْقُ بينه وبَيْن البيع أنَّ البَيْعَ عقد معاوضته (?)، وقد يتَضَرَّر البائعُ بالتبْعِيض لانتقاص قيمة الباقِي، والهبة بخلافه.