وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ دُعِيَتُ إلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ" (?).
ولا ينبَغِي أن يستَحْقر القليل، فيَمتنعَ من أنْ يُهْدِيَ، ولا أن يَسَتنْكِفَ المُهْدَى إليْه عن قَبُول القليل. وقد رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تُحَقِّرَنَّ جَارَةٌ لِجَارِتهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ (?) " (?). إذا تقرَّر ذلك، فاعْلَمْ أنَّ الأَنْواعَ الثَّلاثةَ تفترق في أحكام وتشتركُ في أحكامٍ، وهي الأكثرُ، ونحْنُ نثبتها، إن شاء الله تعالى، جارَين عَلَى نَظْم الكتاب، وهو يشتمل عَلَى فصْلٍ في أركان الهبة، وفصْل في أحكامها. أمَّا الأركان، فالمذكور منها ثلاثةٌ:
أحدُهَا: الصيغةُ. وأما الهبة فلا بدَّ فيها من الإيجاب والقَبُول باللَّفْظ، كالبيعِ وسَائِر التَّمْليكات (?). وأمَّا الهديَّة، فذهب ذاهِبُون إلَى أنَّهُ لا حاجَةَ فيها إلى الإيجاب والقَبُول اللَّفْظِيَّيْنِ، بلِ البَعْثُ من جهة المهدي كالإيجاب والقبض من جهة المهدي إليه كالقَبُول.
واحْتَجُّوا بأن الهَدايَا كانتْ تُحْمَلُ إلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَيَقْبَلُهَا (?)، ولا لفْظَ هناكِ،