المسألةُ الثانيةُ: لو شَرَط الواقِفُ إلاَّ يؤَاجَرَ الوقْفُ، ففيه ثلاثة أوجه:
أظْهَرُهَا: ما ذكره الإمَامُ وصَاحِبُ الكتابِ؛ أنَّه يتبَعُ شَرْطَه، كسائر الشُّروط؛ لما فيه من وجُود المَصْلَحة.
والثاني: المَنْعُ؛ لأنَّه يتضمَّن الحَجَرْ عَلَى مستحقِّ المنفعة.
والثالث: الفرق بيْنَ أنْ يمْنَعَ مطْلقاً، فلا يتبع أو الزِّيَادة عَلَى سَنَةٍ، فيتبع لأنَّه لائقٌ بمصلحة الوقْف، وهذا يتفرَّع على أنَّ منَ الإجَارَة في الوقْف لا تتقدر كمدة إجارة المِلْك؛ على الصَّحيح، وفيه شيْءٌ قد مرَّ في "باب الإجارة" وإذا أفْسَدْنا الشَّرْط فالقياس فسادُ الوقْف به، لكن ذكر الشيخُ أبو عاصِم العبَّاديُّ في "زياداته" أنَّه إذا شرط إلاَّ يؤجر أكثر من سنةٍ لم يخالَفُ، ثم حكَى وجْهاً أنَّهُ لو كان الصَّلاحُ في الزيادة زِيدَ، وهذا قولٌ بالصِّحَّة مع فَسَاد الشَّرْط (?).
المسألةُ الثالِثَةُ: إذا جعل دارَهُ مَسْجداً، أو أرْضَهُ مقبرةً، أو بنَى مدرسةً، أو رباطاً، فلكلِّ واحدٍ أن يصلِّيَ ويعتكفَ في المَسْجد، وَيدْفِنَ في المقْبَرة ويسكن المدْرَسة بشَرْط الأهليَّة، وينزل الرباط، ولا فَرْق فيه بيْن الواقف وغيره، ولو شرَط في الوقْف اختصاصَ المسْجِد بأصحاب الحَدِيث أو الرأْيِ أو بطائفةٍ معلومِين، فوجهان:
أحَدَهُمَا: أنَّ شرْطَه غَيْرُ مُتَّبَع؛ لأن جعل البقعة مسجداً كالتحريم فلا معنى لاختصاصه بجماعة وعلَى هذا، قال في "التتمة": يفْسُد الوقْفُ لفَسادِ الشرط.
والثاني: يتبع، ويختصّ بهم؛ رعايةً لشرط الواقف، وقطْعاً للنزاع في إقامة الشعائر، ويشبه أن تكونَ الفَتْوَى بهذا، وإن كان المذكُور في الكتاب الأوَّل (?).