فَشَرْطُهُ أَنْ يكُونَ أَهْلاً لِلْهِبَةِ مِنْهُ وَالوَصِيَّةِ لَهُ، فَيَجُوزُ الوَقْفُ عَلَى الكَافِرِ الذِّمِّيِّ، وَعَلَى المُرْتَدِّ وَالحَرْبِيَ فِيهِ خِلاَفٌ (و) لأَنَّهُ لاَ بَقَاءَ لَهُ لأَنَّهُ مَقْتُولٌ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الجَنِينِ؛ لأنَّهُ لاَ تَسْلِيطَ في الحَالِ، ولا عَلَى العَبْدِ (و) فِي نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الوَقْفَ عَلَيْهِ وَقْفٌ عَلَى السَّيِّد، وَالوَقْفُ عَلى البَهِيمَةِ هَلْ هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا؟ فِيهِ خِلاَفٌ، وَلاَ يَجُوزُ الوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ (م) إِذْ لاَ يَتَجَدَّدُ بِهِ إلاَّ مَنعْ التَّصَرُّفِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَوْ شَرَطَ أنْ يَقْضِيَ مِنْ رِيعِ الوَقْفِ زَكَاتَهُ وَدُيُونَهُ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَلَى الفُقَرَاءِ ثُمَّ صَارَ فَقِيراً فَفِي شَرِكَتِهِ خِلاَفٌ (و).
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الوقْفُ إمَّا أن يكون على معيَّنٍ أو غير معين.
القِسْمُ الأَوَّلُ: إِذا كان الموقْوفُ عليه شخْصاً معيَّناً، أو جماعةً معيَّنين، فالشَّرْطُ أن يمكن تمليكُه (?)؛ لأنَّ الوقْفَ تمليك العَيْنِ والمنفعة إن قلنا: إنَّ المِلْكَ في الوقف للموقُوف علَيْه، وتمليكُ المنفعة، إنْ لَمْ نقل به.
وقوله في الكتاب: "أهلاً للهبة منه والوصية له" ليس الغرضُ منه اعتبار هذيْن التَّصَرُّفَيْنِ خاصَّةً، بل المعتبر مطْلَقُ أهليَّةِ المِلْك، لكنَّهما أقربُ إلى الوقْفِ مِنَ البَيْعِ والمعاوضات فكأنَّه جرَى ذكرهما لذلك. وفي الفصل ثلاث مسائل:
المسألةُ الأوُلى: يجوزُ الوَقْفُ على الذِّمِّيِّ من المُسْلِم والذِّمِّي، كما تجوز الوصيَّةُ له، والتصدُّق عليه، وفي الحربيِّ والمرتدِّ وجهان:
أحدهما: الجوازُ كالذِّميِّ.
وأصحُّهما: المَنْعُ؛ لأنَّهُمَا منقولان؛ لأنَّه لا بقاء لهما، والوَقْفُ صدقةٌ جاريةٌ، فكما لا يوقَفُ ما لا دوام له، لا يوقف على من لا دَوَام له (?).
المسألةُ الثانيةُ: لا يجُوز الوَقْفُ عَلَى من لا يملك كالجَنِينِ، بخلاف الوصيَّة؛ لأنها تتعلَّق بالمُسْتَقْبل، والوقْفُ تسليطٌ في الحال، وكذلك لا يجوز الوقْفُ على العبْدِ نفْسه، وهذا فيما ذكره ذاكرون مُفَرَّعٌ على قولنا: إنَّه لا يملك وأمَّا إذا قُلْنَا: إنَّه يملك،