الماءَ نفسه، فعلى ما سنذكره في القناة المشتركة -إن شاء الله عَزَّ وَجَلَّ- ولو أرادُوا قِسْمَةَ النهرِ، وكان عريضاً، جاز، ولا يجري فيه الإجْبَار كما في الجداد الحائل، ولو أراد الشُّركاءُ الَّذين أراضيهم أسفلُ توسيعَ فَمِ النَّهر؛ لئلا يقصر الماء عنْهم، لم يجزْ، إلا برضا الأولين؛ لأنَّ تصرُّفَ الشَّرِيكِ في الَملك المشتَرَكِ لا يجوز إلاَّ برضا الشَّريكَ، وأيضاً، فقد يتَضَرَّرُون بكَثْرة المَاءِ, وكذا لا يجوزُ للأولين تضييقُ فمِ النَّهِر إلاَّ برضا الآخرين، ولا لواحِدٍ منهم بناءُ قنطرةٍ، أو رحّى عليها, ولاَ غَرْس شجرة عَلَى حافَّته إلاَّ برضا الشركاء ولو أراد أحَدُهُمْ تقديمَ رأْسِ السَّاقيةِ التي يَنْسَاقُ فيها الماءُ إلَى أرضِه، أو تأخيرَه، فكذلك، بخلاف لو قدَّم بابَ داره إلَى رأْس السِّكَّةِ المنسدة؛ لأنَّه يتَصرَّفُ هناك في الجِدارِ المملُوك، وههنا في الحافَّة المشترَكة، ولو كان لأحَدِهم ماء في أعلَى النَّهْرِ فأجْرَاهُ في النَّهْرِ المُشْتَركِ برضا الشُّرَكَاءَ؛ ليأخَذَه من الأسْفَلِ، وَيسْقِيَ به أراضه، فلهُمُ الرجوعُ متَى شاءُوا؛ لأنَّه عاريةٌ وتنقية هذا النهرِ، وعمارتُه يقومُ بها الشركاءُ بحَسَب الملك، وهل على كلِّ واحدٍ منهم عمارةُ الموضعِ الذي يَسْتَقِلُّ (?) عن أرْضه؟ فيه وجهان:
أحدُهما: وهو المذكورُ في "الشامِل"، وبه قال أبو حنيفةَ: لا؛ لأنَّ المنفعةَ فيه للباقِينَ.
والثاني: نعم، لشرِكتِهِم فيه، وانتفاعِهِمْ بإِرسال المَاءِ فيه، وهذا أصحُّ عند العَبَّادِيِّ.
وأمَّا لفظُ الكتابِ، فقولُه: "أمَّا المياهُ، فثلاثةٌ" قصد به أنَّ الماءَ إما محرز في الأواني، فهو مختصٌ بالمحرزِ ملك له من أيِّ مَوْضِعٍ أخذ، وإِمَّا غيْر محرز، وينْقَسِمُ إلى ما يحدثَ منْ مَوْضِعٍ غير مَمْلُوك؛ كالمياه المباحة الشفافة، إلى ما يَحْدُث من موضع (?) مملوكٍ؛ كماء القنوات، فهي ثلاثةُ أقسامٍ، وفي معْنَى الأواني الحوْضُ المَمْلُوكُ، إذا جُمِعَ فيه الماءُ. وأَعْلم بقولَه: "فهو ملك" بالواو للوَجْه المذكور في "النهاية": وقولَهُ: "وَيصحُّ بيعُه" -ضَرْبٌ من التأكيد.
وفي قولِهَ: "كسائر الأملاكِ" ما يفيده. وقوله: "إلَى الكَعْبِ" يجوزُ أنْ يُعْلَمَ بالواو؛ وللوجه الذاهب إلَى أنَّهُ لا تقديرَ والمرعى الحاجة.
وكذا قولُهُ "لا يلزمهُ" للوجه المنقولِ عن الداركيِّ.