حصُولِ المِلْكِ بالإْحياء، وعلَى جواز الإحياء، ويدُلُّ على استحبابه ما رُوِيَ عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَحْيَا أَرْضَاً مَيْتَةٌ، فَلَهُ مِنْهُ أجْرٌ وَمَا أَكَلَهُ العَوَافي (?) مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ" (?).
وقولُهُ: "والمشتركات ثلاثةٌ": أشار به إلى أن الأرض، والأعْيَان الخارجة منها، والمنافع المُتَعلِّقة برقبتها مخلوقةٌ لمنافع سُكَّانها، والأَصْلُ فيها الاشتراكُ على معْنَى أنَّ لكلِّ أحَدٍ أنْ ينتفعَ بها، يعرض فيها الاختصاصُ بالمِلْك وغيره؛ بعد أنْ لم يَكُنْ، ومقصودُ الكتابِ الكلامُ في رقاب الأرض، وفي منافعها، وفي الأعيانِ الخَارِجةِ منْها، وبيان أنَّهَا كيْفَ تُمْلَكُ ويحدث فيها الاختصاص؟ البَابُ الأوَّلُ: في رِقَابِ الأرض، وهي قسمان:
القسم الأول: أراضي بِلاد الإِسْلام، ولها أحوالٌ ثلاثة:
الحَالةُ الأولَى: إلاَّ تكونَ معمُورةً في الحالِ، ولا من قبلُ، فيجوزُ تملُّكُهَا بالاحياء، سواءٌ أَذِنَ فيه الإمامُ، أو لم يأذَنْ، ويكْفي إذْنُ رسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فيه.
وقال أبو حنيفةَ: لا بدَّ من إذن الإمَامِ فيه، وبه قال مالِكٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فيما إذا كان المَوْضِعُ قريبًا من العمران يقع فيه المشاحَّة، ثم يَخْتَصُّ ذلك بالمسلمين، وليس للذميِّ تملُّكُهَا بالإحياء، ولا يأذْنُ له الامامُ فيه، ولو أذِنَ له الإمام، وأحياها لم يَملكَ، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هِيَ لَكُمْ مِنِّي أيُّهَا المُسْلِمُونَ". ما يقتضي التخصيص بهم.
وفيه وجه آخر: أنَّهُ يَمْلِكُ إذًا أذِنَ الامامُ فيه؛ لأنَّهُ موضعُ الاجتهاد، وبهذا قال الأُسْتاذُ أبو طاهر. وإذا قلنا بالأوَّلِ، فلو كان له فيه عيْنٌ، مال: [فله] نَقْلُهُ، فإنْ بَقِيَ بعد النقل أثر العمارةِ، قال القاضي ابْنُ كَجًّ: إنْ أحيا مُحْي بإذْنِ الإمام، يملكه، وإن لم يأذنْ، فوجهان (?)، وإنْ تَرَكَ العمارةَ متبرِّعاً، تولى الإمام أخذ غَلَّتها، وصرفها إلَى مصالحِ المسلمين، ولم يجزْ لأحدٍ تملُّكُها.