ومن ردَّه من ثُلثه، استحقَّ الثُّلُثَ، وإن ردَّه مِنْ مكان أبْعَد، لم يستحقَّ زيادة؛ لأنَّهُ لم يلتزم وإنْ قال: إن رددتُّما عبْدِي، ملكما كذا، فردَّه أحَدهُمَا، استحقَّ نصف الجعل؛ لأنه لم يلتزمْ له أكثر من ذلك ولو قال: إنْ رددتُّما عَبْدِي، فرد واحد منهما أحدَ العَبْدَيْنِ (?) لم يستحقَّ إلاَّ الرُّبُعَ.
وفي هذه الصُّورة شُبْهةٌ؛ لأنَّه الالتزامَ معلَّقٌ بالرَّدِّ مِنْ ذلك البلد، وبرد العبدين، ولو توزَّع الجعل في الجعَالَةِ على العَمَل، لا يستحقُّ النصْفَ، إذا ردَّ من ذلك البَلَد إلَى نصْفِ الطَّريقِ، ولما وقَع النَّظَر إلَى كونه المأتى به نافعاً أو غيرَ نافعٍ، كما في الإجارة.
الثانية: قال: من، ردَّ عبْدي، فله كذا، فاشترك في ردِّه اثنان أو جماعةٌ، فالجُعْلُ مشتَرَكٌ. ولو قال لنَفَرٍ: إنْ رددتُّمْ عبدي، فلكم كذا، فردُّوه، فكذلك، ويقسم بيْنَهُم على عددِ الرؤوس؛ لأنَّ العَمَلَ في أصْلِه مجهُولٌ، ولا نظَر إلَى مقدارِه في التوزيع، قال الإمامُ: لا يبعُدُ أن يُقَال: إنَّما يدفعُ الجُعْلَ إليهم عند تمام العَمَل، وحِيْنَئذٍ، فقد انضبط العَمَل، فيوزَّع على أجور أمْثَالِهِمْ.
ولو قال لزَيْدٍ: إن رددتَّه، فلك دينارٌ، فردَّه بشركة غيره، فلا شيْءَ عليه لذلك الغير؛ لأنَّهُ، لم يلتزِمْ، وأمَّا زيْدٌ فإن قصد الغير معاونَتَه، وإمَّا بعوض أو مجَّانَاً، فله تمامُ الجَعْل؛ لأنَّه قد يحتاج إلَى استعانة بالغير، ومقصود المالك ردُّ العبد بأىِّ وجهٍ أمْكن، فلا يُحْمَل لفظه عَلَى قِصَر العمل على المخاطب، ولا شيْء لذلك الغَيْر على زيد، إلاَّ أنْ يلتزمَ أُجْرَةً، ويستعين به، وإن قال: عملْتُ للمالك، لم يكنْ لزَيْدٍ تمامُ الجُعْلِ. قال الإمامُ: ويُعْتَرضُ بالنَّظَرِ في أنَّ التَّوزيعَ على الرؤوس أو على قدر العمل؟ ورأْيُ الظاهرِ التوزيعُ على العمل، لكنَّ المشهورَ الأوَّلُ، وعلى ذلك ينطبقُ قولُهُ في الكتاب: "وللعامل نصْفُ دينارٍ".
وليس قوله: "وإنْ قَصَدَ طلبَ أُجْرَة" لتخصيص الحكم به، فإنَّهُ إذا قصد العَمَلَ للمالك، فلا فرْقَ بين أن يقصد الشركة في الجُعْل، وبيْن أنْه يقصدَ التبرعِ، ولا شارَكه اثْنَانِ في الرَّدِّ، فإنْ قصد إعانة زيْدٍ، فله تمامُ الجُعْلِ، وإن قصَدَ العَمَلَ للمالِك، فله ثُلُثُه، وإن قصَدَ أحدُهُما إعانتَه، والآخَرُ العمَلَ للمالِك، فله الثُّلُثَانِ، وقد خَطَر بالبالِ هاهنا أنَّ العاملَ المُعيَّنَ، هل يُوَكِّل الغير؛ لينفرد بالردِّ كما يستعينُ به، وأنَّه إذا كان النداءُ عامَّاً، فوكَّل رَجُلٌ غيْرَه، لِيَرُدَّ له، هل يجُوز؟ ويشبه أنْ يكونَ الأولُ كتوكِيْلِ الوَكِيل.