دابَّتِي الضَّالَّةَ (?)، فله كذا، وهو صحيح، لمسيس الحاجةِ إلَيْه في الأعمال المجهولة واستأنسوا له بقَوْلِهِ تعالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] ثم إن صاحب الكتاب أوْدَعَ مسائِلَه فصلَيْنَ:
أَحَدُهُمَا: في أركان الجَعَالَةُ وعدَّها أربعةً أحدها: الصيغةُ الدالَّةُ عَلى الإذْن في العمل بعَوَضٍ يلتزمه، فلو أَبَقَ عبْدٍ إِنسانٍ، أو ضلَّت دابَّتُه، فرده غَيْره بغير إذنه، فلا شيْءُ لهُ سواء، كان الرَّادّ معْرُوفاً بردِّ الضّوَال أو لم يكنْ، خلافاً لمالكٍ حيث قال: إنْ كان معروفاً أنَّه يستحقُّ أُجْرَةَ المِثْلِ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه حيثُ قال فلا شيء له، سواء كان الراد معروفاً برد الضوال، أو لم يكن؛ خلافاً لمالك حيث قال: إن كان معروفاً به استحق أجرة المثل، ولأبي حنيفة حيث قال: في العبد خاصةً إن ردَّه من مسافة ما دون ثلاثةٍ أيَّام، استحق أُجرة المثل، وإن ردَّه من مسافةِ ثلاثَةِ أيَّام أو أكثر، فإنْ لم يَكُنْ معروفًا بردِّ الآبقين، لم يستحقَّ شيئاً، وإن كان معْرُوفاً به، استَحَقَّ أربعِينَ درْهماً استحساناً؛ إلاَّ أنْ تكونَ قيمتُهُ أقَلَّ مِنْ أَربَعِينَ، فيستحِقُّ قدر قيمته ناقصاً بدرهم، ولأحمد؛ حَيْثُ قال: يستحقُّ في ردِّ الآبقِ دِيناراً، سواءٌ كان معروفًا بذلك، أو لم يكن. لنا: أنَّه عملٌ لم يَلْتَزِم له المالك عِوَضاً، فيقع تبرُّعاً كما لو لم يكن معروفاً بالردِّ، وكما لو ردَّ غير العبد.
ولو قال لواحد: رُدَّ آبِقِي، ولك كذا، فردَّه غَيْرُه لم يستحِقَّ شيئاً؛ لأنَّه لم يشتَرِطْ للغير ذلك المعيَّن، نعم، رَدُّ عبده كردِّه في استحقاق الجُعْل؛ لأنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ.
ولو قال: من رَدَّه، فله كذا، فردَّه من لم يَسْمعْ نداءه، لم يستحقَّ شيئاً؛ لأنّه قصَدَ التبرُّعَ، فإنْ قَصَدَ العِوَضَ، لاعتقاده أنَّ مِثْلَ هَذَا العملِ لا يحبط ويستحقُّ به الأُجرَة، فكذلك، وعن الشيخِ أَبي مُحَمَّدٍ تردُّد فيه؛ لأنَّه حصل المقصُود، وشَمِلَهُ اللفظ بعمومه،. والظاهر الأوَّل، ولا عبرةَ باعتقاده، وكذلك لو عيَّن واحداً، فقال: إن ردَّه فلان، فله كذا، فردَّه غير عالم بإذنه والتزامه، وإن أَذِن في الرَّدْ، ولم يلتزم العوضَ،