فأَمَّا اليسير منه فهو جائز بلا خلاف ولا سائر إلى الفرق فيما نحن فيه، ومنها أن التَّفْرِيق بالعُذْرِ جائز والعذر موجود هاهنا.
والثاني: أنهما مبنيان على أن بعض الطّهارة هل يختص بالانتقاض أم يتداعى انتقاض البعض إلى انتقاض الكل؟ فيه قولان:
أحدهما: يختص البعض بالانْتِقَاض؛ لأنه لو غسل بعض أعضاء طهارته يرتفع الحدث عنه، وإن لم يرتفع عن الباقي، وإذا جاز أن يَتَبَعَّضَ ارتفاعاً جاز أن بتبعض ثبوتاً فعلى هذا لا يجب الاستئناف.
والثاني: لا يختص البعض بالانتقاض كالصلوات وسائر العبادات فعلى هذا يجب الاستئناف والثَّالث وهو المذكور في الكتاب، وبه قال القَفَّال والشيخ أبو حامد وأْصحابهما أنهما مبنيان على أن المسح على الخفين، هل يرفع الحدث عن الرجلين أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: يرفع؛ لأنه مسح بالماء فأشبه مسح الرأس، ولأنه يجوز الجمع به بين فرضين ولو لم يرفع الحدث لما جاز كالتَّيمم.
والثاني: لا يرفع لأنه لو رفع الحدث لما تقدر بمدة ولا يمتد أثره إلى وجود الحدث فإن قلنا: إنه لا يرفع الحدث عن الرجل فلا يجب استئناف الوُضُوء؛ لأن الحدث قد ارتفع عن سائر الأعْضَاء إِلا عن الرجلين فإذا غسلهما ارتفع عنهما أيضاً، وكفى. قال في "التَّتمَّة": وهذا إذا لم يقع تفريق كثير وإن وقع ففيه خلاف التَّفريق، وإن قلنا: إن المسح يرفع الحدث عن الرجل فيجب استئناف الوُضُوء؛ لأن وجوب غسل الرجلين عند النزع يدل على عود الحدث فيهما والحدث، لا يتجَزَّأ في عوده (?).
واعلم أن هذه الطريقة والتي قبلها متقاربتان، ومن يجوز انتقاض بعض الطَّهَارة دون بعض لا يبعد أن يقول بأن الحدث يتجزَّأُ عند العود، ولا يسلم لزوم الاستئناف -والله أعلم- هذا تمام الكلام في الغايتين ولك أن تقول غاية فائدة المسح لا تنحصر في الأمرين المذكورين بل تنتهي بأمرين آخرين.