فرع: ذكرنا أنه إذا زرع لزم الشفيع إبقاء الزرع، وحيئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد؛ لأنه لا ينتفع به قبل ذلك ويخرج الثمن من يده.

قال الإمام: ويحتمل أنه لا يجوز له التأخير، وإن تأخرت المنفعة، كما لو بيعت الأرض وسط الشتاء لا يؤخر الشفعة، إلى أوان الانتفاع، ولو كان في الشقص أشجار ثمار لا تستحق بالشفعة، ففي جواز التأخير إلى القِطَافِ وجهان، والفرق أن الثمار لا تمنع من الانتفاع المأخوذ، بخلاف الزرع.

قال الغزالي: وَلَوْ تَصَرَّفَ المُشْتَرِي بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ نَقَضَ (و)، وإِنْ كَانَ بِبَيْعٍ فَالشَّفِيعُ بِالخِياَرِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالبَيْعِ الأَوَّلِ فَيَنْقُضَهُ (و)، أَوْ بِالثَّاني.

قال الرافعي: تصرفات المشتري في الشقص من البيع والوقف، وغيرهما صحيحة لأنها واقعة في ملكه، وثبوت حق التملك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرف، كما أن حق التملك للواهب بالرجوع لا يمنع تصرف المتهب، وكما أن حتى التملك للزوج بالطَّلاَق لا يمنع تصرُّف الزوجة.

وفي "التتمة" وجه غريب عن ابْنِ سُرَيْجٍ أنها باطلة؛ لأن للشفيع حقًّا لا سبيل إلى إبطاله، فأشبه حق المرتهن.

وإذا قلنا بالشفعة، فظاهر المذهب، وهو المذكور في الكتاب، ونصه في القديم أنه ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة كالوَقْفِ والهبة، فللشفيع نقضه، وأخذ الشقص بالشفعة، وإن كان ممَّا تثبت فيه الشفعة كالبيع والإصْدَاقِ، فهو بالخيار بين أن ينقض تصرفه، ويأخذ الشقص بالبيع الأول، فربما يكون الثمن فيه أقل، أو من جنس هو عليه أيسر، وبين ألاَّ ينقض تصرفه به، ويأخذ.

وعن أبِي إسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ أنه ليس تصرف المشتري بأقل من بنائه، فكما لا ينقض الشفيع بناءه لا ينبغي أن ينقض تصرفه، واختلفوا في موضع هذا الوجه:

منهم من خصصه بما ثبتت فيه الشفعة من التصرفات.

أما ما لا تثبت فيه فله نقضه لتعذر الأخذ به.

ومنهم من عمم وقال: تصرفات المشتري تبطل حق الشفيع، كما يبطل تصرف المشتري المفلس في حق الفَسْخِ للبائع، وتصرف المرأة حق الرجوع إلى العين إذا طلق قبل الدخول، وتصرف المتهب رجوع الواهب.

نعم لو كان التصرُّف بيعاً، أو غيره مما تثبت فيه الشفعة، تجدد حق الشفعة بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015