وهاهنا النكاح باطل وإنما غرم لإتلافه منفعة البُضْعِ حتى لو كان المغرور ممن لا يحل له نكاح الأمة لم يثبت له الرجوع بالمهر لبطلان النكاح، ولو استخدمها الزوج، وغرم الأجرة لم يرجع على الغاصب؛ لأنه لم يسلطه على الاستخدام، بخلاف الوطء، ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده؛ لأنه ما استوفاها, ولا شرع على أنه يضمنها، والقول في قيمتها لو تلفت في يده قد تقدم، فإن غرمها رجع بها.
قال الأئمة: والضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما عزمه مَنْ تَرَتَّبَتْ يده على يد الغاصب عن جهل إن شرع فيه على أن يضمنه لم يرجع به، وإن شرع على أنه لا يضمنه، فإن لم يَسْتَوْفِ ما يقابله رجع به، وإن استوفاه، ففيه قولان، وعلى هذا فلو كان المغصوب شاة، فَنَتَجَتْ في يد المشتري، أو شجرة فأثمرت، فأكل فائدتها، وغرمها للمالك، ففي الرجوع بما غرم الغاصب قولان كالمهر، وإن هلكت تحت يده، فالحكم كما في المنافع التي لم يستوفها، ذكره في "التتمة" وكذا القول في الأكساب، وإن انفصل الولد ميتاً، فالظاهر أنه لا ضمان، وكذا إذا انفصل ميتاً في يد الغاصب، ولو استرضع المشتري الجارية في ولده، أو ولد غيره غرم أجر مثلها، وفي الرجوع قولان كالمهر، ويغرم المشتري اللبن، وإن انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك كما لو غصب علفاً، وأعلف به بهيمة مالكه.
لكن قال صاحب "التهذيب" وجب أن يرجع به على الغاصب, لأنه لم يشرع فيه على أنه يضمنه، ولا عاد نفعه إليه، ولو أجر العين المغصوبة غرم المستأجر أجرة المِثلِ للمالك، ولم يرجع بها على الغاصب؛ لأنه شرع فيه على أن يضمنها، ويسترد الأُجرة المسماة، ولو أعارها رجع المستعير بما غرم للمنافع التي فاتت تحت يده، وفي الرجوع بما غرم للمنافع التي استوفاها القولان، وكذا غرم الأجزاء التالفة بالاستعمال.
واعلم أن كل ما لو غرمه المشتري يرجع به على الغاصب، فلو طولب به الغاصب وغرمه لم يرجع به على المشتري، وكُلّ ما لو غرمه المشتري ولم يرجع به على الغَاصب لم يرجع به المشتري، وكذا الحُكْم فيمن غير المشتري ممن ترتبت يده على يد الغاصب.
وقوله في الكتاب: "ويرجع بكل ذلك على الغاصب" جواب في المهر المغروم عند الوطء بقول الرجوع، وقد مَرَّ أن أصح القولين، ومذهب أبي حَنِيفَة منع الرجوع، فيجوز أن يعلّم ما ذكره -بالحاء والواو- لذلك، وأيضاً فللطريقة المروية في قيمة الولد.
قوله: وهل يرجع المشتري بقيمة منفعة استوفاها؟ يدخل فيه منفعة البُضْع المستوفاة بالوطء كما يدخل سائر المنافع، وإجراؤه على إطلاقه ممكن، ففي جميع ذلك قولان كما سبق، لكن الأشبه أنه أراد ما سوى منفعة البُضْع.