هذا في وطء الغاصب، وأما المشتري من الغاصب، فالقول في وطئه في حالتي العلم والجهل، كما ذكرنا في الغاصب إلاَّ أن الجهل في حق المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضاً، فلا يشترط في دعواه الشرط السابق، كما لا يشترط في الاشتباه وإذا غرم المشتري المهر، فسيأتي الخلاف في رجوعه على الغاصب، وهل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء؟.
فيه وجهان عن صاحب "التقريب": وجه المنع أن المهر بدل منفعة البُضْعِ، وهي غير داخلة تحت اليد، ولا مضمونة بالغَصْبِ.
ووجه الثاني: وهو قضية كلام المُعَظَمِ: أن الأمر إذا أفضى إلى الغرم بعد فرضه غير متعلق بالغاصب. وأشار الإمام إلى جريان الوجهين، سواء قلنا برجوع المشتري على الغاصب بالمهر، أو بعدم الرجوع.
وقال: إذا قلنا بعدم الرجوع، فظاهر القياس ألاَّ يطالب، وغيره محتمل.
وإذا قلنا بالرجوع، فالظاهر المطالبة لاستقرار الضمان عليه، ويجوز أن يقال: الرجوع بسبب الغَررِ، فيختص به المغرور، وطرد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة، وإذا تكرر الوَطْء إما من الغاصب، أو من المشتري من الغاصب، فإن كان في حالة الجهل لم يجب إلاَّ مهر واحد؛ لأن الجهل شبهة واحدة مطردة، فأشبه ما إذا وطئ في النكاح الفاسد مراراً، وإن كان عالماً وجب المهر لكونها مستكرهة، وعلى قولنا بالوجوب مع طواعيتها، فوجهان:
أحدهما: الاكتفاء بمهر واحد، كما في حالة الجهل.
وأصحهما وبه أجاب صاحب الكتاب في "الصَّدَاقِ"، حيث أعاد هذه الصورة في أخوات لها أنه يجب لكل مرة مهر؛ لأن الواجب هاهنا لإتلاف منفعة البُضعِ؛ فيتعدد بتعدد بتعدُّد الإتلاف، لكن قضية هذا الوجه الحكم بالتعدد في صورة الجهل؛ لأن الإتلاف الذي هو سبب الوجوب حاصل، فلا معنى للإحالة على الشبهة، وإنما يحصل اعتماد الشبهة، حيث لا يجب المهر لولا الشبهة، وذكر هذا المستدرك إمام الحرمين.
وقال: هذه لطيفة يقضى منها العجب، وإن وطئها مرة جاهلاً، ومرة عالماً وجب مهران.
وقوله في الكتاب: "لزمه الحد والمهر" لفظ المهر معلّم -بالحاء- لأن عند أَبِى حَنِيْفَة لا يجامع المهر الحد، والمشهور من لفظ الخبر أنه "نهى عن مهر البغي" كما تقدم لا ما أورده في الكتاب والله أعلم.
قال الغزالي: أَما الوَلَدُ فَهُوَ رَقَيقٌ لاَ نَسَبَ لَه إِنْ كَانَ عَالِماً، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً انْعَقَدَ