سنذكر القاعدة الثانية أن العبد المغصوب إذا تعذر رده بآفة غرم الغاصب قيمته للحيلولة، ويلزمه مع ذلك أجرة المثل للمدة التي تمضي قبل بذل القيمة، ولما بعده وجهان:

أحدهما: أنها لا تجب؛ لأن القيمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب، فكأن المغصوب عاد إليه.

وأصحهما: الوجوب؛ لأن حكم الغصب باقٍ، وإنما وجبت القيمة للحيلولة، فيضمن الأجرة لفوات المنفعة، والوجهان جاريان في أن الزوائد الحاصلة بعد دفع القيمة، هل تكون مضمونة على الغاصب، وفي أنه يلزمه مؤنة ردها؟ وفي أن جناية الآبق في إباقه هل يتعلق ضمانها بالغاصب؟ ولو غيب الغاصب العبد المغصوب إلى مكان بعيد وعسر رده، وغرم القيمة.

قال الإمام طرد شيخي في الصورة الخلاف في الأحكام المذكورة أيضاً.

ومنهم من قطع بوجوب الأجرة وثبوت سائر الأحكام، الفرق أن من غيبه باختياره، فهو باقٍ في يده وتصرفه، فلا تنقطع علائق الضمان عنه، بخلاف الآبق.

قال الغزالي: (الرُكْنُ الثَّالِثُ): في الوَاجِبِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى المِثْلِ وَالقِيمَةِ، وَحَدُّ المِثلْيِّ مَا تَتَمَاثَلُ أَجْزَاؤُة فِي المَنْفَعَةِ والقِيمةِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ لا مِنْ حَيْثُ المَنْفَعَةِ، وَالأظْهَرُ: أَنَّ الرُّطَبَ والعِنَبَ والدَّقِيقَ مِثْلِيُّ، وَكَذَا الخُبْزُ فَإِنَّ أَخْلاَطَهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِخِلاَفِ سَائِرِ المَخْلُوطَاتِ.

قال الرافعي: ما يجب ضمانًا ينقسم باعتبار المضمون إلى المثل والقيمة، فيضمن المثلى بالمثل؛ لأنه أقرب إلى التالف والمتقوم بالقيمة.

وللأصحاب في ضبط المثلي عبارات:

إحداها: أن كل مقدر بكيل، أو وزن، فهو مثلي، وتروى هذه العبارة عن أَبِي حَنِيفَةَ وأحْمَدَ، وتنسب إلى نص الشَّافعي -رضي الله عنه- لقوله في "المختصر": وماله كيل أو وزن، فعليه مثل كيله أو وزنه.

والثانية: زاد بعضهم اشتراط جواز السَّلم فيه؛ لأن المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمة، والضمان يشبه ألا يثبت في الذمة.

والثالثة: زاد القَفَّالُ وآخرون اشتراط جواز بيع بعضه ببعض، لتشابه الأصلين في قضية التقابل، واعترض على العبارات الثلاث بأن القماقم والملاعق والمغرف المتخذة من الصفر والنحاس موزونة، ويجوز السَّلم فيها، وبيع بعضها ببعض، وليست مثلية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015