وإن لم يزد على فتح القفص، فطار الطائر، فأما أن يطير في الحال، أو يقف ثم يطير.
فأما في الحالة الأولى فطريقان.
أظهرهما: أن في وجوب الضمان قولين:
أحدهما: أنه لا يلزمه الضمان؛ لأن للحيوان قصدًا واختيارًا، ألا ترى أنه يقصد ما ينفعه، ويتوقى المهالك، وغاية الموجود من الفاتح التسبب إلى تضييعه، فتقدم عليه مباشرة الطائر واختياره.
وأظهرهما: اللزوم؛ لأن الطائر ينفر ممن يقرب منه، فإذا طار عقيب الفتح أشعر ذلك بأنه نفره.
والثاني: القطع بالقول الثاني؛ ومنهم من فرّق بين أن يخرج الطائر من غير اضطراب، وبين أن يضطرب، ثم يخرج فبدل ذلك على فزعه وتنفره.
وأما في الحالة الثانية فطريقان أيضاً:
أحدهما: أنه على قولين.
وأظهرهما: القطع ينفي الضمان؛ لأن الطيران بعد الوقوف أمارة ظاهرة على أنه طار باختياره. وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يضمن مطلقًا، وبه قال مالك وأحمد، واختاره أبو خلف السلمي، والقاضي الروياني وغيره من الأصحاب.
وثانيها: لا يضمن مطلقاً.
وأظهرها: أنه يضمن إن طار في الحال، ولا يضمن إن وقف ثم طار وروى عن أبي حنيفة مثله، وأيضاً مثل القول الثاني وهو أشهر، ذكر العراقيون أن الثاني هو قوله في القديم.
وفي "التهذيب" عن طريقة القولين في الحالة الثانية أن القديم لا يضمن، وفيما جمع من "فتاوى القفال" وغيره تفريعاً على وجوب الضمان إذا طار في الحال أنه لو ثبت هرة، كما لو فتح القفص ودخلت، وقتلت الطائر لزمه الضمان، كأنهم جعلوا الفتح إغراء للهرة كما أنه تنفير للطائر، وأنه لو كان القفص مغلقًا، فاضطرب بخروج الطائر، وسقط وانكسر وجب ضمانه على الفاتح، وأنه لو كسر الطائر في خروجه قارورة أنسان لزمه ضمانه؛ لأن فعل الطائر منسوب إليه (?)، وأنه لو كان شعير في جراب مشدود