الثالث: القطع بأن القول قول المتصرف؛ لأن الظاهر من حاله أنه لا يتصرف إلاَّ على وجه جائز، هذا إذا تنازعا والعين باقية.
أما إذا كانت هالكة نظر إن هلكت بعد مضي مدة يثبت لمثلها أجرة، فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة بجهة الغصب، والمتصرف ينكر الأجرة، ويقره بالقيمة بجهة العارية، فالحكم في الأجرة على ما ذكرناه عند بقاء العَيْنِ.
وأما القيمة فقد قال في "التهذيب": إن قلنا: إن اختلاف الجهة يمنع الأخذ، فلا يأخذها إلاَّ باليمين.
وإن قلنا: لا يمنع؛ فإن قلنا العارية تضمن ضمان الغصب، أَو لم نقل به، ولكن كانت قيمته يوم التلف أكثر أخذها باليمين، وإن كانت قيمته يوم التلف أقل، أخذ بلا يمين، وفي الزيادة يحتاج إلى يمين، وإن هلكت عقيب القبض، وقبل مضي مدة يثبت لمثلها أجرة لزمه القيمة، ثم قياس ما نقلناه عن "التهذيب" إلا أن يقال: إن جعلنا اختلاف الجهة مانعاً من الأخذ حلف، وإلاَّ أخذ من غير يمين، وقضية ما ذكره الإمام أنه لا تخريج على ذكر الخلاف لا هذه الصورة، ولا ماذا كان الاختلاف بعد مضي مدة يثبت لمثلها أجرة قال: لأن العين متحدة، ولا وقع الاختلاف في الجهة مع اتِّحَاد العَيْن:
والظاهر الأول. وقوله في الكتاب: "والقول قول المالك" معلم -بالواو- لما ذكرنا من اضطراب الطرق، وربما أعلم بالزاي -لأنه قال في "الوسيط": قال المزني: "والقول قول الراكب"، وهذا ليس بقويم؛ لأن المزني لم يقل ذلك، ولا صار إليه، وإنما نقله عن الشَّافعي -رضي الله عنه- كلما تقدم، ثم أخذ يعترض عليه، واختياره في المسألة تصديق المالك، كما اختار في المسألة الأولى، ولو قال المالك: غصبتنيها، وقال المتصرف: بل أجرتني.
فالجواب تفريعاً على الأصح أنه إن كانت العين باقيةً ولم تمض مده لمثلها أجرة، فالمصدق المالك فإن حلف استرد المال، وإن مضت مدة لمثلها أجرة، فالمالك يدعي أجرة المثل، والتصرف بالمسمى، فإن استويا، أو كانت أجرة المثل أقل أخذ بلا يمين، وإن كانت أجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمى بلا يمين، والزيادة باليمين.
قال صاحب "التهذيب": ولا يجيء هاهنا خلاف اختلاف الجهة؛ كما لو ادعى المالك فساد الإجارة، والمتصرف صحتها يحلف المالك، ويأخذ أجرة المثل، وإن كان الاختلاف بعد بقاء العين مدة في يد المتصرف، وتلفها، فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة، والمتصرف يقر بالمسمى، وينكر القيمة، فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين، وأخذ ما ينكره باليمين، ولو قال المالك: غصبتني، وقال صاحب اليد: بل أودعتني،