الركن الثاني: في المستعير.
قال في الكتاب: "ولا يعتبر فيه إلاَّ كونه أهلا للتبرع" أي يتبرع عليه، وكأنه أراد التبرع بعقد يشتمل على الإيجاب والقبول إما بقول، أو فعل، وإلاَّ فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والإحسان إليهما، ولكن لا يوهب منهما ولا يعار.
قال الغزالي: (الثَّالِث: المُسْتَعَارُ) وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا به مَعَ بَقَائِهِ، وَفي إِعَارَةِ الدنانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِمَنْفَعَةِ التَّزْيِينِ خِلاَفٌ؛ لأَنَّها مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ، فَإذَا جَرَتْ فَهِيَ مَضْمُوَنَةٌ لأنها عَارِيةٌ فَاسِدَةٌ، وَأَنْ يكَوُنَ الانْتِفَاعُ مُبَاحًا فَلا تُسْتَعَارُ الجَوَارِي لِلاسْتِمْتَاعِ، وَيكُرْهُ الأسْتِخْدَامُ إلاَّ لِمَحْرَمِ، وَكَذَا يُكْرَهُ اسْتِعَارَةُ أَحَدِ الأَبوَيْنِ لِلْخِدمَةِ، وَإِعَارَةُ العَبْدِ المُسْلِمِ مِنَ الكَاِفِرِ، وَيَحْرُمُ إِعَارَةُ الصَّيْدِ مِنَ المُحْرِمِ.
قال الرافعي: الركن الثالث: المُسْتَعَار، وله شرطان.
أحدهما: أن يكون منتفعًا به مع بقاء عينه، كالعَبْدِ والدَّواب والدُّور والثياب.
أما الأطعمة فلا يجوز إعارتها؛ لأن منفعتها في استهلاكها، وفي إعارة الدراهم والدنانير وجهان:
أحدهما: الجواز؛ لأنها تصلح للتزُّين بها، وللضَّرْب على طَبْعِهَا.
وأصحهما: المنع لأن هذه منفعة ضعيفة قَلَّمَا تقصد، ومعظم منفعتها في الإنفاق، والإخراج. قال الإمام: وما ذكرناه في الدراهم يجرى في استعارة الحنطة والشعير، وما في معناها، ولك أن تبحث عن مواضع الخلاف أهو ما إذا صرح بالأعارة للتزُّين أم إذا أطلق؟ فالجواب أن الأسبق إلى الفهم من كلامهم في مسألة الدراهم أن الخلاف في حالة الإطلاق.
فأما إذا صرح التزّين فقد اتَّخَذَ هذه المنفعة مقصداً، وإن ضعفت فينبغي أن يصح، وبصحته أجاب في "التتمة" وعلى هذه قوله في الكتاب: "المنفعة التزين" ليس هو من كلام المعير، وإنما هو إشارة إلى صورة الجواز، لكن هذا يتفرغ على تصحيح الإعارة مطلقًا. أما إذا شرطنا تعيين جِهَة الانتفاع، فلا بد من التعرُّض للتزين، أو غيره، وسيأتي الخلاف فيه، وحيث قلنا: إنه لا يصح إعارتها، فإن جرت، فهي مضمونة؛ لأن العارية الصحيحة مضمونة، وللفاسدة حكم الصحيحة في الضمان.