قال الغزالي: (الثَّانِي) أَنْ لاَ يُكَذِّبَهُ المُقِرُّ لَهُ فإِنْ كَذَّبهُ لَمْ يُسْلَمُ إِلَيْهِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ المُقِرِّ في وَجْهٍ، وَيَحْفَظُهُ القَاضِي فِي وَجْهٍ، فَإِنْ رَجَعَ المُقَرُّ لَهُ عَنِ الإِنْكَارِ سُلِّم إِلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ المُقِرُّ في حَالِ إِنْكارِ المُقَرِّ لَهُ، فَالأَظْهَرُ أنَّهُ لا يقبل لأنه أَثْبَتَ الحَقَّ لِغَيْرِه بِخِلاَفِ المُقَرِّ لهُ فَإنَّهُ اَقْتَصَرَ علَى الإِنْكَارِ.
قال الرافعي: يشترط في الحكم بالإقرار عدم تكذيب المقر له في إنكاره، وإن لم يشترط قبوله لفظًا على رسم الإيجاب والقبول في الإِنشاءات، فإن كذبه نظر إن كان المقربه مالاً لم يدفعه إليه وفيما يفعل به ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه يترك في يد المقر (?)، كما كان؛ لأن يده تشعر بالملك ظاهراً، والإقرار الثاني عارضه إنكار المقر له فيسقط، وأيضاً فإنا لا نعرف مالكه، ونراه في يد المقر، فهو أولى الناس بحفظه.
وثانيها: واختاره صاحب "التهذيب" و"التتمة": أنه ينتزعه القاضي، ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه، فإنه في حكم مال ضائع، فيحتاط لمالكه، فإن رأى استحفاظ صاحب اليد، فهو كما لو استحفظ عدلاً آخر.
وثالثها: أنه يخير المقر له على القبول والقبض، وهو بعيد.
وقال الشيخ أَبُو مُحَمَّدٍ: موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد هذا لفلان، وكذبه فلان، فأما إذا قال صاحب اليد للقاضي: في يدي مال لا أعرف مالكه، فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه.
وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه هاهنا, ولو رجع المقر له عن الإنكار، فصدق المقر، فقد حكى الإمام رحمه الله الجزم بقبوله، وتسليم المقربه إليه، لكن الأظهر، وهو الذي أورده المُتَوَلِّى وغيره تفريعه على الخلاف السابق.