أولهما: أنها تسمع؛ لأنه لو صدقه المدعي لسقط عنه الضمان، فكذلك إذا قامت الحجة عليه، وأيضاً فلما يذكر في "الوديعة".
والثاني، وهو الأظهر عند الإمام، وهو الذي أورده في الكتاب: أنها لا تسمع؛ لأن جحوده الأول كذّب هذه البينة، وعلل في الكتاب عدم سماع البينة بعدم سماع الدعوى ويجيء فيه نحو الإمام، فإنه قال: كل بينة تقام، فإن قيامها يستدعي دعوى من يقيمها، فإن فسدت الدعوى استقلت البينة، وهي غير مسموعة من غير دعوى، لكن من يقول بسماع الدعوى كيف يسلم عدم سماع الدعوى. إذ الدعوى قد تسمع بمجرد تحليف عدم سماع الدعوى ليس متفقًا عليه حتى يقلل به من أحد الوجهين في البينة؛ فإن من يسمع البينة يسمع الدعوى لا محال، فإذًا الخلاف في سماع البينة، يجري في سماع الدعوى، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعة جزماً مع الخلاف في سماع البينة، إذ الدعوى قد تسمع الخصم لما سبق في "باب الرَّهْن" وقبله وإن ادعى الرد بعد الجحود لم يصدفه لصيروته خائنًا، لكن لو أقام بينه، فالمشهور في هذا الباب أنها تسمع لا غايته أن يكون كما الغاصب في ابتداء الأمر، ومعلوم أنه لو أقام بينة على الرد تسمع، ورأى الإِمام أن يكون سماع بينة على الوجهين السابقين رأى الإمام رحمه الله تعالى أن يكون سماع البينة على الوجهين السابقين لتناقض دعوى الرد والجحود، وهو حسن موافق، لما ذكرناه في "باب الوديعة" وإن ادعى التلف بعد الجحود صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين، ولكن يلزمه الضمان لخيانته، وهذا كما إذا ادعى الغاصب التلف والله أعلم.
لو قال: بع هذا، ثم هذا لزمه رعاية الترتيب كذا قاله القَفَّالُ، ولو جعل للوكيل بالبيع جعلاً، فباع استحقه، وإِن تلف الثمن في يده؛ لأن استحقاقه بالعمل، وقد عمل آخر وإذا ادعى خيانة عليه لم تسمع حتى يتبين القدر الذي خان به، بأن يقول: بعت بعشرة، وما دفعت إليّ إلا خمسة، وإذا وَكَّلَ بقبض دَين أو استرداد وديعة، فقال المديون: أو المودع دفعت، وصدقه الموكل، والوكيل منكر، هل يغرم الدافع بترك الاشهاد؟.
فيه وجهان، كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الأشهاد، ومن قال: أنا وكيل في بيع أو نكاح، وصدقه من يعامله صح العقد، فلو قال الوكيل بعد العقد: لم أكن مأذونًا فيه، لم يلتفت إلى قوله، ولم يحكم يبطلان العقد، وكذا لو صدقه المشتري بحق من يوكل عنه، إِلاَّ أن يقيم المشتري بينة على إقراره، بأنه لم يكن مأذونًا من جهته في ذلك التصرف، والله أعلم.