الأصيل بتحصيله إن ضَمِن بالإِذْنِ، كما أنه يغرمه إذا غرم، وعن القَفَّالِ وجه: أنه لا يملك مطالبته، والمشهور الأول، وهل يطالبه التخليص قبل أن يُطَالب؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ كما لو استعار عبد الغير للرّهن ورهنه، كان للمالك المطالبة بالفَكِّ.
وأصحهما: لا؛ لأنه لم يغرم شيئاً ولا توجهت عليه طلبة، ويخالف الرَّهْن فإنه محبوس بالدَّينِ، وفيه ضَرَرٌ ظَاهِرٌ، ومعنى التخليص أن يؤدي دين المضمون له ليبرأ ببراءته الضَّامن، وفي تمكن الضامن من تغريم الأَصِيل قبل أن يغرم حيث ثبت له الرُّجُوع وجهان ذكرهما الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ والإمام بناء على الأَصْلِ المذكور، إن أثبتنا له حقاً على الأَصِيلِ بمجرد الضَّمَانِ فله أخْذُه، وإلاَّ فَلاَ.
وقوله في الكتاب: (وكذا في قدرته على المُطَالبة بتسليم المال إليه، حتى يؤديه بنفسه فيخرج عن العهدة) محمول على هذه الصورة، وأنه يستظهر بالمأخوذ ويؤدي الدَّيْن، إما منه أو من غيره، فيخرج عن العُهْدَة، وظَاهِرُ اللَّفْظِ يشعر بأخذه منه ليباشر أداءه نيابة عنه، ويستفيد بِعَيْنِ البراءة، لكن الحمل عليه بعيد لِبُعْدِ الخِلاَفِ في الإخبار على الإِنَابة، وأيضاً فإنه ليس له ذكر في كُتُبِ الأئمة، ولكن الوَجْهَان في تمكينه من التَّغْرِيم مفرعاً على أن ما يأخذه عوضاً عما يقضي به دَيْن الأَصِيل هل يملكه؟ فيه وَجْهَان بناءً على الأَصُلِ السَّابِقِ، فإن دفعه الأصيل ابتداء من غير إجْبَارٍ ومطالبة، فإن قلنا يملكه فله التَّصرف فيه كالفقير إذا أخذ الزَّكَاة المُعَجَّلة، لكن لا يستقر ملكه عليه إلا بالغُرْم، حتى لو أبرأه المستحق كان عليه رَدُّه ما أخذه، كرد الزَّكَاة المُعَجَّلة إذا هَلَكَ المَالُ قبل الحَوْل فإن قلنا: لا يملكه فعليه رَدُّه ولو هلك عنده ضمن كالمقبوض بالشراء الفاسد، ولو دفعه إليه وقال: اقض به ما ضمنت عنِّي، فهو وكيل الأصِيل والمال أَمَانةٌ في يده، ويخرج على ذَلِك الأَصْل صُوَر أخرى:
منها: أن الضَّامن هل يحبس الأَصِيل إذا حبس المَضْمُون لَهُ الضَّامِن؟ إن أثبتنا العلقة بين الضَّامن والأَصِيل، يجوز للضَّامِن حبسه، وبه قال أبُو حَنيفَة، وإلا فَلاَ، وهو الأَصَحّ. ومنها: لو أبرأ الضَّامن الأَصِيل عما سيغرم، إن أثبتنا العُلْقَة في الحال صَحَّ الإبراء، وإلّا خرج على الإبراء عَمَّا لَمْ يَجِب، ووجد سبب وجوبه.
ومنها: لو صالح الضَّامن الأَصِيل عن العشرة التي سيغرمها على خَمْسَة إن أثبتناها في الحال صَحَّ الصُّلْحُ, لأنه أخذ عوض بعض الحَقّ، وأبرأ عن البَاقِي وإلا لَمْ يَصِح، ومنها: لو ضمن ضَامِنِ عن الأصيل للضَّامِنِ ففي صحته الوجهان وكذا لو رهن الأصيل عند الضامن شيئاً مِمَّا ضَمِن، والأصَحّ في الكُلِّ المنع، ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامناً، ففي صحة الشرط الوجهان إن صَحَّ فإن وفّى الأصيل وأعطاه