ما ذكرنا، لم يخف عليك أن قوله في أول الركن: (ثابتاً لازماً معلوماً) ينتظم إعلام ثلاثتها بالحاء والميم والواو، وأنه يدخل في الضَّبْطِ المَذْكُور في الزَّكَاة، فيجوز ضمانها عَمّن هِيَ عَلَيْهِ، وفي تجربة الرّويَانِي ذكر وجه آخر أنه لا يجوز؛ لأنها حَقّ الله -تعالى- فأشبه الكفالة بندب الشَّاهِد لأداء الشَّهادة، وعلى الصَّحِيح هل يعتبر الإذن عَنْدَ الأَداء؟ قال: فيه وجهان:

أظهرهما: الاعْتِبَار، ويجوز ضمان المنافع الثابتة في الذِّمم كالأموال.

قال الغزالي: وَيَصِحُّ (و) كَفَالَةُ البَدَنِ عَنْ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الحُضُورُ بِمَجْلِسِ الحُكْمِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لآدَمِيِّ عَلَى الأَظْهَرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ كَالدَّيْنِ فَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَالاً، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ عَيْنِ المَغْصوبِ وَالمَبِيعِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ مُؤْنَةُ تَسْلِيمِهِ دُونَ الوَدِيعَةِ وَالأَمَانَاتِ، وَتَصِحُّ كَفَالَةُ البَدَنِ مِمَّنِ ادَّعى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَقُم عَلَيْهِ البَيِّنَةُ بالدَّيْنِ إِذِ الِحُضُورُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهَا إِلْزَامُ إِحْضَارِهِ، وَتَصِحُّ الكَفَالَةُ بِبَدَنِ المَيِّتِ إِذْ قَدْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارَهُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى صُورَتِهِ.

قال الرَّافِعِىُّ: الكلام في هذا الموضع إلى آخر الرُّكن في كفالة البَدَن، وتسمى كفالة الوَجْه أيضاً، وإنما أوردوها في هذا المَوْضع؛ لاستغنائها عن المَضْمُون فإن الشيء المضمون قد يكون حقاً على الشَّخصِ، وقد يكون نَفْس الشَّخْص، ولفظ الكتاب في أول الباب عند ذكرنا الأركان في بعض النّسَخ وهي ستة، وذلك على عد كفالة البَدن ركناً برأسها، وكذلك أورد في "الوسيط" ركن الصيغة هو الركن السَّادِس، وهو بعض النُّسُخ وهي خَمْسَة، وركن الصِّيغَة هو الركن الخامس، وهذا أحسن.

وفِقْهُ الفَصْلِ أن الشافِعي -رضي الله عنه- نص في أكثر المواضع على أن كفالة البَدَنِ صَحِيحة، وبه قال أَبُو حَنِيفة وَمَالِكٌ وأحمد -رحمهم الله- وذكر في الدَّعْوى والبينات أن كَفَالة البَدَنِ ضعيفة، وللأصحاب طريقتان:

أشهرهما: وبها قال المُزَنِي وَأَبُو إسحاق: أن فيها قولين:

أصحهما: الصِّحة لإطباق النَّاسِ عليها في الأَعْصار، ومساس الحاجة إليها.

والثاني: المنع؛ لأنها ضمان ما لا يدخل تَحْتَ اليد، ولا يقدر على تسليمه.

والثانية: القَطْع بالصِّحة، وحمل ما ذكره في الدَّعاوى على ضعفها من جهة القياس، ويتفرع على القول بصحتها مسائل وتَفْرِيعَات، يشتمل الفَصْل منها على مسألتين:

إحداهما: فيمن يتكفل بِبَدَنِهِ، وتجوز الكفالة ببدن مَنْ عليه مَالٌ، ولا يشترط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015