والثاني: أنه لو دَلَّ عليهما لاستوى فيه القليل والكثير، ألا ترى أن كون جميع الثوب في يَدِ الإنسان، وكون طرف منه في يَدِ واحدٍ، وبالعكس، ما لا يَدُلُّ عليهما، يستوى فيه القليل والكثير كالتجصيص والتزويق، وقد سلم أبو حنيفة -رضي الله عنه-، أن الجِذْعَ الوَاحِدَ لا يقتضي التَّرْجِيحَ، وفي الجذعين الخِلاَفُ عَنْهُ.
إذا تقرر ذَلِكَ، كان وَضْعُ الجذوعِ زيادةَ انتفاع من أحدهما، كما إذا تنازعا داراً في يدهما وأقمشةً أحدهما فيه أكثر لا يرجح جانبه.
وأما: مسألة الأُسّ، فإن الإمام وصاحب الكتاب صوراها كما ذكرنا، ولم ينقلا فيها خلافاً، والعراقيون احتجوا لأبي حنيفة بأنهما إذَا تنازعا في العرصة -يعني بالعرصة هاهنا الأُسِ، وهما متفقان على أن الجِدَارَ لأحدهما، حيث يجعل صَاحِبُ الجِدَارِ صاحب اليَدِ في العُرْصَة، فاعلم أن غرض الاحتجاج حَاصِلٌ بهذا القَدْرِ، وتصور إقامة البَيِّنَة مستغنى عنه، ثم إنهم في الجواب نقلوا في المسألة وجهين للأصحاب، فإن مَنَعْنَا فَذَاكَ، وإن سلمنا -وهو الأظهر- فالفرق من وجهين:
أحدهما: أن الجدار على العرصة دليل اليد والملك فيها؛ لأنه لم يجوز أحد البناء في عرْصَةِ الغير، ووضع الجذوع بخلافه على مَا مَرّ.
والثاني: أن علامة الاشتراك ظَاهِرةٌ في الجِدَارِ فإنه كالجُزْءِ من كُلِّ وَاحِدٍ من الدَّارَيْنِ، فليس في العرصة علامةُ الاشتراك فإذن مسألة الأس، كما لو تنازعا داراً لا يسكنانها ولأحدهما فيها أمتعة، ومسألة وضع الجذوع كما لو تنازعا داراً يسكنانها ولأحدهما فيها أمتعة زائدة.
وأما: مسألة الدّابة فهي ممنوعة، بل هما سواءٌ على قول أَبِي إسحاق، وعلى التسليم وهو المَذْهَب.
فالفرق أن الركوب يقتضي اليَدَ والمِلْك، وهو أقوى فاقتضى الترجيح، ووضع الجذوع قد بَيَّنا أنه لا يقتضي اليَد، والأزج المبني على رأس الجدار بعد تمامه على الإمتداد كالسقف لإمكان إحداثه بعد بناء الجدار، فإذا جعلنا الجِدَارَ في أيديهما وحلفَا لم ترفع الجذوع بل تترك بحالها؛ لاحتمال أنها وضعت بِحَقّ.
الصورة الثانية: السقف المتوسط بين علو أحدهما وسفل الآخر كالجدار المتوسط بين الملكين، فإذا تداعيا نظر إن لم يمكن إحداثه بعد بِنَاءِ العلو، كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العُلُو، فيجعل في يَدِ صَاحِب السَّفل، لاتصاله ببنائه على سَبِيلِ التَّرْصِيف، فإن أمكن إحْدَاثُه بعد بِنَاءِ العُلُو، بأن يكون السقف عالياً فيثقب وسُطَ الجِدَار وتوضع رؤوس الجُذُوعِ في الثقب، فيصير البيت بيتين، فهو في