إذا تقرر ذلك فتصوير القسم الأول وهو أن يكون السقف مشتركًا، وأما إذا كان خالصًا لأحدهما، فصورة خلوصه لصاحب العلو أن يكون لِرَجُلٍ جداران متقابلان، فيأذن لِغَيْرِهِ في وضع الجُذُوع عليهما، والبناء على تلك الجذوع بِعِوَضٍ أو غير عوض، فإذا فعل ذلك كان السقف لِصاحِبِ العُلُو، وصورة خلوصه لصاحب السفل، أن يأذن لغيره في البناء على سَقْف ملكه بِعِوَض أو بغير عوض فيبنى عليه، وإلى هذا أشار بقوله: (وإنما يتصور ذلك بأن يبيع صاحب السفل حق البناء على سقفه من غيره)، ولما جرى ذكر هذا التصرف، وهو من المَسائِلِ المقصودة في الباب، اندفع في بيانه وبيان ما يناسبه، ونحن نشرحه في مسألتين، ولا نبالي بما يحتاج إليه من تَقْدِيرِ مُؤَخَّرٍ في سياق الكتاب وتأخيرِ مُقَدَّم.
المسألة الأولى: إذن المالك لغيره في البناء على ملكه قد يكون بِغَيْرٍ عوض، وهو الإعارة، وقد يكون بِعِوَضٍ.
فمن صورة أن يُكرى أرضه، أو رأسَ جِدَارِهِ، أو سقفه مدةً معلومة، بأجرة معلومة فتجوز، وسبيله سبيل سائِرِ الإِجَارَاتِ.
ومنها: أن يأذن فيه بصيغة البَيْعِ ويبين الثَّمن، فهو صحيح خلافًا للمُزَنِي، ولأبي حنيفة أيضًا فيما حَكَاهُ القَاضِي الرّوَيانِي، ثم يتصور ذلك بلفظتين.
إحداهما: أن يبيع سَطْحَ البيت أو علوه للبناء عليه بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ.
والثانية: أن يبيع حق البناء على مِلْكِهِ، والأولى هي لفظة الشَّافعي وعامة الأصحاب -رحمهم الله- والثانية: لفظة الإمام وصَاحِب الكِتَاب، ويتلخص الغَرَض بمباحثتين:
إحداهما: أن المراد من اللفظتين شَيْءٌ وَاحِد، وإن كان ظَاهِرُ اللفظ يُشْعِرُ بالمغايرة؛ لأنّ بيع العُلُوِّ للبناء، إما أن يراد به جملة السقف فَلْيُخَرَّج على التَّفْصِيل الذي مَرَّ في البيع، وأيضًا فإنهم صوروا فيما إذا اشْتُرِيَ ليبنى عليه، ومن اشترى شيئًا انتفع به بِحَسَبِ الإمكان، ولم يحتج إلى التَّعرض للانتفاع به.
والثانية: ما حقيقة هذا العقد، أبيعٌ هو أم إجارة؟ إن كان بيعًا فليعد ملك عين كسائر البيوع، فإن كان إجارةً فليشترط التأقيت كسائر الإجارات.
والجواب: أن الأصْحَاب اختلفوا فيه، فقال قائل: وهو بيع، ويملك المشتري به مواضع رؤوس الجذوى، وهذا يدفع الإلزام، لكنه مشكل لما ذكرنا في المباحثة الأولى.
والصحيح: أنه لا تملك بِهِ عَيْن، وعلى هذا فَوَجْهَان: