بسلوك الأَسْبَابِ المفضية إليه، ومن جملتها طَلَبَ الحَجْرِ، فإذا مجرد الإفْلاَس يفيد الأحَقِّية.

الثانيهْ: فيما نقلناه عن الأئمة في تَفْسِيرِ المفلس قَيْدَان:

أحدهما: المديونية.

والآخر: أن يكون ماله قاصراً عن الوفاء بالديون، والقيد الأول لا بد منه لجواز الحَجْرِ، وأما الثاني فيجوز أن يقال: إنه لا حاجة إليه، بل مجرد الدَّيْنِ يكفي لجواز الحجر منعاً له من التصرفات فيما عَسَاهُ يحدث له باصطياد واتهابَ والظفر بِرَكَازٍ وغيرها، فإن كان كذلك فيفسر المُفْلِس بالذي ليس له مَالٌ يَفِي بديونه، لينتظم من لا مَالَ لَهُ أَصْلاً، ومن له مال قاصر، وإنما يراد بالمُفْلِس في المشهور من لا مَالَ له فإنه بمجرده لا يؤثر في هذه الأحْكَامِ بحال.

الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ" (?) يقتضي ظاهره ثبوت الرجوع، وإن كان مال الميت وافياً بالديون، فهذا الظاهر هل هو معمول به أم لا؟

الجواب: أثبت الإصْطَخْرِي الرجوع بمجرد الموت أخذاً بهذا الظَّاهِرِ، والمذهب المَنْع؛ لتيسر الرسول إلى الثَّمَنِ، كما في حال الحياة، والخبر محمول على ما إذا مات مُفْلِساً؛ لأنه روى في بعض الروايات أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ المَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً" (?).

وإذا تقررت هذه التمهيدات فالكلام بعد في أنه مَتَى يُحْجَرُ عَلَيْهِ؟ قال حُجَّةُ الإسْلاَم: التماس الغرماء الحجر بالديون الحالة الزائدة على قدر المال سَبَبٌ لضرب الحَجْرِ عَلَى المُفْلِسِ، وفيه قيود:

أولها: الالتماس، ولا بد منه، وليس للقاضي أن يحجر عليه من غير التماس؛ لأن هذا الحَجْرَ لمصلحة الغرماء والمفلس، وهم ناظرون لأنْفُسِهِمْ، فلا يتحكم الحَاكِم عَلَيْهِم. نعم، لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو محجورين بالسَّفَهِ، لولى القاضي الحجر لمصلحتهم من غير التماس، ولا يحجر لِدَيْنِ الغَائِبينَ؛ لأنه لا يستوفى ما لهم في الذَّمَمِ، وإنما تحفظ أعيان أموالهم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015