عقد منتظر تمامه بتسليم المسلم فيه، وربما ينقطع ويكون رأس المال تالفاً، فلا يدري إلى ماذا يقع الرجوع، وبهذا القول قال مالك وأحمد، واختاره أبو إسحاق.

وأصحهما وبه قال المزني: أن المُعَايَنَة كافية كما في البيع واحتمال الفَسْخِ ثابت في البيع كما في السَّلَم، هذا في المِثْلِيّات.

ولو كان رأس المال متقوماً وضبطت صفاته بالمُعَايَنَة، ففي اشتراط معرفة قيمته طريقان، منهم مَنْ طرد القولين.

والأكثرون قطعوا بصحّة السَّلَم، ولا فرق على القولين بين السَّلم الحال والمؤجل. ومنهم من خصص القولين بالسَّلَم المُؤَجّل، وقطع في الحال بأن المُعَاينة كافية كما في البيع، ثم موضع القولين ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة.

أما إذا علما ثم تفرقا، فلا خلاف في الصِّحَّة، وبنى كثير من الأصحاب على هذين القولين أنه هَلْ يجوز أَنْ يجعل رأس مال السَّلَم ما لا يجوز السلم فيه؟

إن قلنا بالأصح فيجوز، وإلاَّ فلا.

قال الإمام: وليس ذلك على هذا الإطلاق، بل الدُّرَّة الثَّمِينة إذا عرفا قيمتها، وبالغا في وَصْفِها، وجب أن يجوز جعلها رأس مال؛ لأن منع السَّلَم فيها من الإعزار في الوصف يشبه عَزَّة الوجود، ولا معنى لاشتراط عموم الوُجُود في رأس المال، وإذا جَوَّزْنا السَّلَم ورأس المال جُزَافٌ ثم اتفق الفسخ وتنازعا في قدره فالقول قول المُسَلّم إليه لأنه غارم (?) وقوله في الكتاب: (وأصح القولين) يجوز إعلامه بالواو؛ لأن السلم إما حال أو مؤجل. أما الحال ففيه طريقة قاطعة بالصِّحَّة، وأما المؤجل ففي كتاب القاضي ابن كَجٍّ طريقة قاطعة بالمنع.

وقوله: (جاز العقد) مُعَلّم بالميم والأَلف، ويجوز إعلامه بالحاء أيضاً؛ لأن عنده إنْ كان رأس المال مَكِيْلاً أو موزوناً وجب ضبط صفاته، وإن كان مذروعاً أو مَعْدُوداً فلا يجب. قوله: (وكما يجوز مع الجَهْل بقيمته) جواب على طريقة الأكثرين.

قال الغزالي: الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ المُسَلَّمُ فِيهِ دَيْناً، فَلاَ يَنْعَقِدُ فِي عَيْن؛ لأَنَّ لَفْظَ السَّلَم لِلدَّيْنِ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ بَيْعاً؟ فيه قَوْلاَن، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِعْتُ بِلاَ ثَمَنٍ هَلْ يَنْعَقِدُ هِبَةَ؟ وَالأَصَحُّ الإِبْطَالُ لِتَهَافُتِ اللَّفْظِ، وَلَوْ أَسْلَمَ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ انْعَقَدَ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ سَلَمًا لِيَجِبَ تَسْلِيمُ رأَسِ المَالِ فِي المَجْلِس؟ فَعلَى وَجْهَيْنِ، مَنْشَؤْهُمَا تَقَابُلُ النَّظَرِ إِلَى اللَّفْظِ وَالمَعْنَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015