وقوله في الكتاب: "الرجوع التفاوت إلى الصفة"، أراد صفات الجَوْدَة والرَّدَاوَة، فإن أخذ الرَّدِيء عن الجَيِّدِ جائز، وإنَّما المانع من الأخذ تَغَايُر الجنس، ولو كان الثمن مَعِيباً فهو كالمبيع، فإذا وقع فيه هذا الاختلاف فالقول قول المُشْتري مع يمينه.
قال في "التهذيب": لو كان المعين نحاساً لا قيمة له فالقول قول الرَّاد، لأنه يدّعي بقاء مِلْكه وفساد العقد، ولك أنْ تقول ينبغي أن يكون هذا على الخلاف فيما إذا ادَّعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده، ولو اشترى طعاماً كيلاً وقبضه بالكيل أو وزناً وقبضه بالوزن، أو أسلم فيه وقبضه، ثم جاء وادعى نقصانًا فيه نظر إِنْ كان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن قُبِلَ، وإلاَّ فقولان عن رواية الربيع.
أحدهما: أن القول قول القَابِض مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء حقه، ويحكى هذا عن أبي حنيفة ورجحه صاحب "التهذيب".
والثَّاني ويحكى عن مالك: أن القول قول الدَّافع مع يمينه؛ لأنهما اتَّفَقا على القبض والقابض يدّعي الخطأ فيه، فيحتاج إلى البَيِّنَة كما لو اقتسما، ثم جاء أحدهما وادَّعى الخطأ فيه، يحتاج إلى البَيِّنة وهذا أصح عند القاضي أبي الطيب وغيره، ولو اختلف المتبايعان في القَبْض، فالقول قول المُشْتَري ولو باع عَصِيراً وحصل القَبْض فوجد خَمْراً. فقال البائع: تخمر في يدك، وقال المشتري: بل سلمته خمراً، والقبض فاسد وأمكن الأَمْران جميعاً، فقولان:
أحدهما: أن القول قول البائع لأن الأصل بقاء الحَلاَوة.
والثاني: أنَّ القول قول المشتري، لأن الأصل عدم القبض الصحيح.
ولو قال أحدهما: أنه كان خمراً عند البيع، فهذا يدّعي فساد العقد والآخر يدعي صحته وقد سبق حكمه، وبهذا يقاس ما لو باعه لبناً فأخذه المُشْتري في ظرف ثم وجدت فيه فَأْرة، وتنازعا في نَجَاسته عند القبض وعند البيع.
ولو قال المشتري: بعت العبد بشرط أنه كاتب، وأنكره البائع فوجهان:
أحدهما: أن القول قول البائع كما لو اختلفا في العيْب.
والثاني: أنهما يتخالفان كما لو اختلفا في الأجل أو الخيار.
قال في "التتمة": وهذا أصح، ولو كان الثمن مؤجلاً، واختلفا في انقضاء الأجل فالأصل بقاؤه.
قال الغزالي: أَمَّا كَيْفِيَّةُ اليَمِينِ فَالبَدَاءَةُ (ح) بِالبَائِعِ، وَفِي السَّلَمِ بِالمُسَلَّمِ إِلَيْهِ، وَفِي الكِتَابَةِ بِالسَّيِّدِ؛ لأَنَّهُمَا في رُتْبَةِ البَائِعِ، وَفِي الصَّدَاقِ بِالزَّوْجِ؛ لأَنَّهُ فِي رُتْبَةِ بِائِعِ الصَّدَاقِ،