وقوله في الكتاب: "كما لا يجوز بيع الخمر والعَذِرَة والجِيفَة وفاقاً وإن كان فيها منفعة"، أشار به إلى الجواب عن عذر يبديه أصحاب أبي حنيفة إذا احتججنا عليهم في المنع من بيع الكلب والسرجين بالقياس على بيع الخمر والعذرة والجيفة، فإنها لما كانت نجسة العين امتنع بيعها بالاتفاق، قال: ليس لزاعم منهم أن يزعم أن المنع من البيع في صورة الوفاق، إنما كان لخلوهما عن المنفعة؛ لأن كل واحد منهما لا يخلو عن ضرب منفعة. أما الخمر فبغرض أن تصير فلا تكون عارية عن المنفعة في الحال، ألا ترى أن الصغير اليوم منتفع به لما يتوقع حال كبره، وأما العَذِرَة فإنها يسمدُ بها الأرض، وأما الجيفة فتطعم منها جوارح الصيد، ثم المنع من بيع الجيفة ليس متفقاً عليه في جميع أجزائها؛ لأن الحكاية عن أبي حنيفة تجويز بيع جلدها قبل الدِّبَاغ، وإنما المتفق عليه اللحم، ويجوز بيع الفَيْلَج (?) وفي باطنه الدود الميتة؛ لأن إبقاءها فيه من مصالحها، كالحيوان يصح بيعه والنجاسة في باطنه، وفي بيع بَزْر القز وَفَأْرَةِ المِسْك خلاف مبني على الخلاف السابق في طهارتها وأما القسم الثاني وهو: ما نجس بعارض فهو على ضربين:

أحدهما: النجس الذي يمكن تطهيره كالثوب النجس والخشبة النجسة والآجر النجس بملاقاة النجاسة، فيجوز بيعها؛ لأن جوهرها طاهر، وازالة النجاسة عنه هَيِّنة، نعم ما استتر بالنجاسة التي وردت عليها يخرج بيعه على بيع الغائب.

والثاني: ما لا يمكن تطهيره كالخَلِّ، واللَّبن والدَّبْس إذا تنجَّست لا يجوز بيعها (?) كما لا يجوز بيع الخَمْر والبَوْل والدُّهْن (?) النَّجِس، إن كان نجس العين فلا سبيل إلى بيعه بحال، وذلك كدهن الميتة، وإن نجس يعارض ففي بيعه خلاف مبني على أنه هل يمكن تطهيره؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015