في "التَّهْذِيب" بين هذه الصورة والصورة السَّابقة، وأورد بعضهم: أنه لا ينعقد البيع، والفرق بينهما بأن قول المشتري "يعني" موضوع للطلب، ويعتبر من جهة الطالب مبتدئاً، أو القبول مجيباً، وقول البائع اشتريت كذا، لم يوضع للبدء ولا للإيجاب، فلا بُدَّ من جهته من بذل أو إيجاب، وبني على هذا أنهما لو تَبَايعا عَبْداً بِعَبْد، وعقدا البيع بلفظ الأمر، فأيهما جعل نفسه باللفظ بائعاً، أو مشترياً لزمه حكمه، حتى لو قال الآمر: "بِعْني عبدك هذا صح لتنزيله نفسه منزلة المشتري ولو قال: اشتر منى عبدي لم يصح لتنزيله نفسه منزلة البائع، ولو قال المشتري تبعني عبدك بكذا أو قال: بعتني بكذا، فقال: بعت لم ينعقد البيع، حتى يقول بعده: اشتريت، وكذا لو قال البائع. "اشْتَرِ داري بكذا"، أو "اشتريت منى داري" فقال: "اشتريت" لا ينعقد، حتى يقول بعده: بِعْتُ.

المسألة الثالثة: قال الأئمة: كل تصرف يستقل به الشَّخص، كالطَّلاق والعِتْق والإِبْرَاء فينعقد بالكِنَايات مع النِيَّة انعقاده بالصَّريح، وما لا يستقلُّ به الشخص، بل يفتقر إلى الإِيْجَاب والقبول فهو على ضربين:

أحدهما: ما يفتقر إلى الإشهاد، كالنكاح وكبيع الوكيل إذا شرط الموكل عليه الإشهاد، فهذا لا ينعقد بالكناية؛ لأن الشهود لا يطلعون على المقصود والنيات والإشهاد على العقد لا بد منه، وقد يتوقف في هذا التوجيه؛ لأن القرائن بما تتوفر، فيبعد الاطّلاع على ما في باطن الغير.

والثاني: ما لا يفتقر إليه فهو أيضاً على ضربين:

أحدهما: ما يقبل (مقصودة) التعليق بالغرر كالكتابة والخُلْع، فينعقد بالكناية مع النية. قال الشَّافعي -رضي الله عنه- لو قال لامرأته: أنت بائن يألْفٍ، فقالت: قبلت ونويا صَحَّ الخُلْع.

والثَّاني: ما لا يقبل كالبَيْع والإجَارَة وغيرهما، وفي انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان:

أحدهما: لا ينعقد؛ لأن المخاطب لا يدري بِمَ خوطب؟

وأظهرهما: أنه ينعقد كما في الكِتَابة والخُلْع.

ومثال الكناية في البَيْع؛ أن يقول خذه، أو تسلمه منى بألف أو أدخله في مِلْكك أو جعلته لك بكذا ملكاً، وما أشبه ذلك، ولو قال: سلطتك عليه بألف، فهل هو من الكنايات أم لا؟ كما لو قال: أبَحْتُه لك بألف اختلفوا فيه، ولو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه ترتب ذلك على أن الطَّلاق هل يقع بالكتابة؟ إن قلنا: لا يقع، فهذه العقود أولى بأن لا تنعقد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015