تطوعاً، فلا قضاء عليه، وبه قال مالك وأحمد، خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله-.

لنا: "إِنَّ الَّذِينَ صَدُّوا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْحُدَيْبيَةِ، كَانُوا أَلْفاً وَأَرْبَعْمَائة، وَالَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، كَانُوا نَفَراً يَسِيراً، وَلَمْ يَأْمُرْ الْبَاقِينَ بِالْقَضَاءِ" (?).

وإن لم يكن نسكه تطوعاً، نظر إن لم يكن مستقرّاً عليه الحجة الإسلام في السّنة الأولى من سني الإمكان فلا حج عليه إلا عند اجتماع الشروط بعد ذلك، وإن كان مستقراً عليه كحجة الإسلام فيما بعد السنة الأولى، من سنين الإمكان وكالنذر والقضاء، فهو باق في ذمته كما كان لو شرع في صلاة ولم يتمها تبقى في ذمته، إذا تقرر ذلك فهاهنا مسائل:

إحداها: لو صُدَّ عن طريق، وهناك طريق آخر نظر إن تمكن من سلوكه بأن وجد شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه ولم يكن له التَّحلل سواء كان ذلك الطريق قصيراً أو طويلاً، وسواء كان يرجو الإدراك أو يخاف الفوات أو يتيقنه كما لو أحرم في أول في ذي الحِجّة وهو بالعراق مثلاً يجب عليه المضي والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل في الحال؛ وإذا سلكه كما أمرناه به ففاته الحج تحلل بعمل عمرة، وهل يلزمه القضاء؟ فيه قولان:

أحدهما: نعم، كما لو سلك هذا الطريق ابتداء ففاته بضلال الطريق وغيره.

وأظهرهما: لا؛ لأنه بذل ما في وسعه فأشبه ما إذا صُدّ مطلقاً؛ ولأن هذا الفوات نشأ من الإِحْصَار، فإن المسألة مصورة فيما إذا اختصَّ الطريق الآخر بطول أو حُزُونَة وغيرهما، وكان الفوات لذلك حتى لو استويا من كل وجه، فيجب القضاء لا محالة؛ لأن الموجود فوات محض، قاله الإمام وغيره، وإن لم يتمكن من سلوك الطريق الآخر فهو كالصَدِّ المطلق.

الثانية: وقد تعرض لها في الكتاب قبل هذا الفصل: أنَّ ما ذكرنا من نَفْي القَضَاء هو حكم الإِحْصَار العام.

فأما في الإحصار الخامس قولان: أو وجهان:

أحدهما وبه قال أبو الحسين والدَّارِكي: أنه يجب القضاء كما لو منعه المرض عن إتمام النسك يلزمه القضاء.

وأظهرهما: وبه قال القاضي أبو حامد وأبو علي الطبري: أنه لا قضاء، كما في الإحصار العام؛ لأن مشقة المصابرة على الإحرام لا تختلف في حق صاحب الواقعة ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015