وعن أبي إسْحَاقَ: أنه مخير بين إخْرَاجِ العُشْرِ، وبيى إخراج الدَّرَاهِمِ فهذه ثلاثة أوجه. ونقل أبو القَاسِم الكَرَخِي وغيره: أنه لا يجزئه إخْرَاجُ عُشْرِ الْمِثل، وقال في "التهذيب": لا يتصدق بالدَّرَاهم، ولكن يصرفها إلى الطَّعَام ويتصدق به، أَو يصوم عن كل مُدٍّ يوماً. وهذا ما أشار إليه في الكتاب، حيث قال: (فعليه الطعام بعشر ثمن المثل) والأشبه من هذا كله تفريعاً على المنصوص إن أثبتنا الخلاف تعين الدراهم، -والله أعلم-. وقوله: (بعشر ثمن شاة) أراد بالثمن القيمة كما في لفظ الشافعي -رضي الله عنه-. واعلم: أن جميع ما ذَكَرْنَاهُ فيما إذا كان الصَّيْدُ مثلياً، فأما إذا جَنَى عَلَى صَيْدٍ غير مثلي فلا كلام في أن الواجب ما نقص من القيمة -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَلَوْ أَزْمَنَ صَيْدا فَتَمَامُ جَزَائِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مَعِيباً، وَلَوْ أبْطَلَ قُوَّةَ المَشْي وَالطيَّرَانِ مِنَ النَّعَامَةِ فَفي تَعَدُّدِ الجَزَاءِ وَجْهَانِ:
قال الرافعي: ما ذكرنا في الفرع الثالث مصور فيما إذا اندمل الجُرْح وبقي الصيد ممتنعاً إما بعدوه كالغَزَالِ، أو بطيرانه كالحَمَامِ، فأما إذا اندمل الجرح وصار الصيد زمناً فهذا هو الفرع الرابع، وفيما يلزم به وجهان:
أصحهما: وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: أنه يلزم به جَزَاءٌ كَامِلٌ، لأنه بالأزمان صَارَ كالمُتْلف، ولهذا لو أزمن عبداً يلزمه تمام قيمته.
الثاني: ويحكى عن ابْنِ سُرَيجٍ: أنه يجب عليه قدر النّقْصَان؛ لأنه لم يهلك بالكلية، ألا ترى أن الباقي مَضْمُون لو قتله محرم آخر، فعلى هذا يجب قِسْطٌ مِنَ المِثْلِ، أو من قيمة المِثْل فيه الكلام السابق.
ولو جاء محرم آخر وقتله إما بعد الانْدِمَال أو قبله فعليه جزاؤه زمناً لما ذكرنا أن المعيب يقابل بمثله، ويبقى الجزاء على الأول بحاله، ومنهم من قال: إن أوجبنا جزاءاً كاملاً عاد هَاهُنَا إلى قدر النقصان؛ لأنه يبعد إيجاب جزاءين لمتلف واحد، ولو عاد المزمن وقتله نظر إن قتله قبل الاندمال فليس عليه إلا جَزَاءٌ واحد، كما لو قطع يَدَيْ رَجُلٍ ثم حزّ رقبته قبل الاندمال لا يلزمه إلا دِيَة واحدة، وخرج ابْنُ سُرَيْجٍ -رحمه الله- ثمّ أن أرش الطرف ينفرد عن دِيَةِ النفس، فيجيء مثله هاهنا. وإن قتله بعد الاندمال، أفرد كل واحد منهما بحكمه، ففي القتل جزاؤه زمناً، وفيما يجب بالإزمان؟ الخلاف السابق، وإذا أوجبنا بالإزمان جزاءاً كاملاً، فلو كان للصيد امتناعان كالنعامة بها امتناع بشدة العدو، وامتناع في الجناح فأبطل أحد امتناعيه ففيما يلزمه؟ وجهان:
أحدهما: أنه يتعدد الجزاء لتعدد الامتناع.
وأصحهما: أنه لا يتعدد؛ لاتحاد المنع، وعلى هذا فَمَا الَّذِي يجب؟ قال الإمام: