إحداهما: إذا جامع القَارِن لم يخل إما أن يُجَامع قبل التَّحَلُّلِ الأَوَّل أو بعده.
الحالة الأولى: أن يجامع قبله فيفسد نسكاه، ويجب عليه بدنة واحدة لاتحاد الإحْرَام، وهل يلزم دَمُ القَرَانِ معَ البَدَنَة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه لم يتمتع بِقَرَانِه، وقد ذَاقَ وَبَالَ الإِفْسَادِ فيكتفي به.
وأظهرهما: ولم يورد المعظم سواه؛ نعم؛ لأنه لزم بالشّروع فلا يسقط بالإِفْسَادِ.
وعن أبي حنيفة -رحمه الله- لا بدنة إلا مَعَ الإِفْسَاد كما سبق، ويلزمه شَاتَانِ لأنهما نُسُكَانِ، ثم إذا اشتغل بقضائهما فإن قرن، أو تمتع فَعَلَيْهِ دَمٌ آخر، وإلا فقد أشار الشَّيْخُ أَبُو عَلِي -رحمه الله تَعَالى- إِلَى خلاَفٍ فيه (?)، ومال مالك إلى أنه لا يَجِب شَيْءٍ آخر.
الثانية: أن يجامع بعد التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ فَلاَ يفسد واحد من نُسُكَيْهِ، واحتج له بأن عروض المفسد بعد التحلل من العبادة لا يُؤَثِّر، ألا ترى أنه إذَا سلم التسليمة الأولى من الصَّلاَةِ، ثم أتى بِمُفْسِدٍ لم تفسد صَلاتُه، ولا فرق بين أن يكَون قد أَتَى بأعْمَالِ العُمْرَةِ، أو لم يَأْتِ بهَا، وعن الأودني أنه إذا لم يأت بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ العُمْرَةِ تَفسد العُمْرَة، والمذهب الأَوَّل؛ لأن العُمْرَة في القَرَانِ تتبع الحَجِّ فِي الحُكْم، ولهذا يَحِلُّ لِلْقَارِنِ معظم محظورات الإحرام بعد التحلل الأَوَّلِ وإن لم يأت بأعْمَالِ العُمْرَةِ.
ولو قدم القارن مَكَّة وَطَافَ وَسَعَى، ثم جامع بَطَل نُسُكَاهُ جَمِيعاً، وإن كان ذلك بَعْدَ أَعْمَالِ العُمْرَةِ. ثم الواجب في هذه الحالة بدنة أو شاة؟ فيه قولان قد سَبَقَا.
المسألة الثانية: القارن إذا فاته الحَجُّ لفوات الوُقوفِ، هل يقضي بفوات عمرته؟ فيه قولان: وقال الإمام وصاحب الكتاب وَجْهَان:
أظهرهما: نعم، اتباعاً العمرة للحج كما تفسد بِفَسَادِهِ، وَتَصِحَّ بِصِحَّتِهِ.
والثاني: لا، لأن وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ، ويخالف الفساد؛ لأن من فاته الحَجّ يتحلل بعمل عمرة فلا معنى لتفويت عمرته مع إتيانه بِهَا، واتساع وقتها، وإذا قُلْنَا: بفواتهما فعليه دَمٌ وَاحِدٌ للفوات، ولا يسقط عنه دَمُ القَرَانِ، وإذا قَضَاهُمَا فالحكم على ما ذكرناه في قضائهما عند الإِفْسَادِ، وإن قرن أو تمتع فعليه دَمٌ ثَالِثٌ، وإلا فَعَلَى الخلاف.