وأصحهما: وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- أنه نُسُكٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا رَمَيْتُمُ وَحَلَقْتُمْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّسَاءِ" (?).

علق الحِلّ بالحَلْقِ كما عَلَّقَهُ بِالرَّمْيِ، وأيضاً فإن الحَلْقِ أفضل من التقصير، لما سيأتي، والتفضيل إنما يقع في العِبَادَاتِ دون المُبَاحَاتِ، والقولان جاريان في العمرة، ووقته في العُمْرَة يدخل بِالْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ، فعلى القَوْلِ الأصح هوَ مِنْ أَعمَالِ النُّسكَيْنِ، وليس هو بمثابة الرَّمْيِ والمبيت، بل هو مَعدُودٌ من الأركان، ولهذا لا يُجْبَرُ بِالدَّمِ، ولا تقام الفِدْيَةُ مَقَامُهُ حتى لو كانت برأسه علية لا يتأتى مَعَها التعرض للشَّعْرِ، فإنه يصبر إلى الإمكان ولا يفتدى، ويخالف ما إذا لم يكن على رأسه شَعْر، لا يُؤْمر بالْحَلْقِ بعد النّيَاتِ، لأن النسك حَلْقُ شَعرٍ يشتمل الإحرام عليه، فإذا لم يكن شَعْرٌ لَم يؤمر بهذا النُّسُكِ. ولو جامع المعتمر بعد السَّعْيِ وقبل الحلق فَسَدَتْ عُمْرَتُه؛ لوقوع جِمَاعِهِ قَبْلَ التَّحَلل، والنّساء لا يُؤْمَرْنَ بِالْحَلْقِ؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ عَلَي النِّسَاءِ حَلْقٌ وَإنَّمَا يُقَصِّرْنَ" (?).

والمستحب لهن في التقصير أن يأخذن من طَرَفِ شُعُورِهِنَّ بقدر أنملة من جميع الجَوَانِب، وللرجال أيضاً إقامة التقصير مقام الحلق؛ لما روى عن جابر -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا" (?).

والأفضل لَهُم الحَلْقُ؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ، قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ، قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ؛ قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ" (?).

وكل وَاحِدٍ من الحَلْقِ والتَّقْصِيرِ يختص بِشِعْرِ الرَّأْسِ، ولا يحصل النُّسُكُ بحَلْقِ شَعْرٍ آخر، أو تقصيره، وإن اسْتَوى الكُلُّ في وجوب الفدية إذا أخذ قَبْلَ الوَقْتِ؛ لأن الأَمْرَ وردَ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ، وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشِّقِّ الأَيْمَنِ (?) ثم بالأَيْسَرِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015