قال الرافعي: فوصل الباب تفصيل ترجمته الجملية غير الفصل الأخير، فإنه لا اختصاص له بهذا البَابِ، ولعَلَّ غيره أليقُ به، ومقصودُ الفَصْلِ الأول الكلام فيما ينعقد به الإحْرَام، وفي كيفية انعقاده (?)، وينبغي للمحرم أن ينوي وَيُلَبِّي، فإن لم يَنوِ وَلَبَّى فقد حكى عن رواية الربيع أنه يلزمه مَا لَبَّى به، وقال في "المختصر": وإن لم يرد حجاً ولا عمرةً فليس بِشَيْءٍ، واختلف الأصْحَاب على طريقين:

أضعفهما: أن المسألة على قولين:

أصحهما: أن إحْرَامُهُ لا ينعقد على ما ذَكَرَهُ في "المختصر" لأن الأعمال بالنيات.

والثاني: أنه يلزمه ما سَمَّى؛ لأنه التزمه بقوله، وعلى هذا لو أطلق التَّلْبِيَة انعقد له إحرام مطلق يَصْرِفه إلى ما شَاءَ من كلا النُّسُكَيْنِ أو أَحدهما.

وأصحهما: القطع بِعَدَم الانعقاد وحمل منقول الربيع على ما إذا تلفظ بأحد النُّسُكَيْنِ على التعيين ولم يَنْوِه ولكن نوى الإحرام المطلق فيجعل لفظه تفسيراً وتعييناً للإحرام المطلق (?).

واعرف هنا شيئين:

أحدهما: أن تنزيل لفظ "المختصر" على صورة المسألة يفتقر إلى إضْمَار؛ لأنه قد لا يريد حجاً ولا عمرة، ولكن يريد نَفْس الإحرام، فالمعنى حجاً ولا عمرةَ ولا أصْلَ الإِحْرَام.

والثاني: أن جعل اللفظ المجرد تفسيراً في صورة التأويل، مشكل كجعله إحراماً في الابتداء، والظاهر أنه على تجرده لا يجعل تفسيراً على ما سيأتي، ولو نوى انعقد إحْرَامه، وإن لم يُلَبِّ، وبه قَالَ مالك وأحمد -رحمهما الله- لأنه عبادة ليس في آخرها ولا في أثنائها نُطْقٌ وَاجِبٌ، فكذلك في ابتدائها كالطهارة والصوم، وعن أبي عَلِيٍّ بْنِ خَيْرَانَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وأَبِي عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرَي -رحمهم الله- أن التلبية شرط لانعقاد الأحرام لإطباق النَّاسِ على الاعتناء به عِنْدَ الإحْرَامِ، وبه قال أبو حنيفة إلا أن عنده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015