عن الإفراد والتمتع؛ لأن أفعال النُّسُكَيْنِ فيهما أكمل منها في القرآن.
وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: القرآن أَفْضَلُ مِنْهُمَا، ويحكى ذلك عن اختيار المُزَنِيّ، وابْنِ المُنْذِرِ، وأَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِي؛ لما روى عن عائشة قالت: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْرُخُ بِهِمَا صُرَاخاً، يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجِّ وَعُمْرَةٍ" (?).
لكن هذه الرواية معارضة بروايات أخر راجحة على ما سيأتي.
واختلف قوله في الإفراد والتمتع أيهما أفضل؟ قال في اختلاف الحديث: التمتع أفضل، وبه قال أحمد، وأبو حنيفة -رحمهما الله-؛ لما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوِ اسْتَقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدى وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً" (?).
والاستدلال أنه -صلى الله عليه وسلم- تمنى تقديم العمرة، ولولا أنه أفضل لما تَمَنَّاه.
وقال في عامة كتبه: الإفراد أفضل، وهو الأصح، وبه قال مالك؛ لما روى عن جابر -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَفْرَدَ" (?) وروى مثله ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهم (?) - ورجح الشافعي -رضي الله عنه- رواية جابر على رواية رواة القرآن والتمتع بأن جابراً أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المَنَاسِك وأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- من لَدُن خروجه من المدينة إلى أن تَحَلَّل.
وأما قوله: (لو اسْتَقبَلتُ مِنْ أَمْرِي" الخبر فإنما ذكر تطييباً لقلوب أصْحَابه واعتذاراً إليهم، وتمام الخبر ما روى عن جابر: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَحْرَمَ إِحْرَاماً مُبْهماً وَكَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلاثَةِ، فَنَزَلَ الْوَحْيُ بِأَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلْيَجْعَلهُ حَجّاً، وَمَن لَمْ يَسُقْ فَلْيَجْعَلْهُ عُمْرَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَطَلْحَةُ قَد سَاقَا الْهَدْيَ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَأمَرَهُمْ بِأَنْ يَجْعَلُوا إحْرَامَهُمْ عُمْرَةً، وَيتَمَتِّعُوا، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِحْرَامَهُ حَجّاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِأنَّهُمْ كَانُوا يعتَقدون من قبل أن العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك، وأظهر الرَّغْبَة في موافقتهم، لَوْ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيِ" (?) فإن الموافقة الجَالِبة للقلوب أهم بالتَّحْصِيل من فَصِيلة وقربة، واتفق الأصْحَاب عَلى القولين، على أَنَّ النَّبِيَّ