لما روي عن ابن عَبَّاس -رضي الله عنهما- موقوفاً ومرفوعاً: "أَنَّ مَنْ تَرَكَ نُسُكاً فَعَلَيْهِ دَمٌ" (?).

وإن عاد فلا يخلو إما أن يعود وينشئ الإحْرَام منه، أو يعود إليه بعد ما أحْرَم.

فأما في الحَالَةِ الأولَى: فالذي نقله الإمام وصاحب الكتاب -رحمهما الله- أنه إن عاد قبل أن يبعد عن المِيقَاتِ بِمَسَافَةِ القَصْر فلا دم عليه؛ لأنه حَافظ على الوَاجِب في تَعَبٍ تَحَمَّلَهُ، وإن عاد بعد ما دَخَلَ مكة لم يَسْقُط عنه الدم؛ لوقوع المحذور، وهو دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمِ مع كونه عَلَى قَصْدِ النُّسُكِ، وإن عاد بعد ما بَعُدَ عن الميقات بمسافة القصر فَوَجْهَان:

أظهرهما: أنه يسقط كما لو عاد بعد البعد عنه بهذه المسافة.

والثاني: لا يسقط لتأكد الإسَاءة بانقطاعه عن الميقات حَدّ السَّفَرِ الطَّوِيل، هذا ما ذكراه.

والجمهور قضوا بأنه لو عَادَ وأنشأ الإحْرَام منه فلا دم عليه، ولم يفصلوا بَيْنَ أن يبعد أو لا يبعد، ولا بين أن يدخل مَكَّة أو لا يدخلها، فعليك إعلام قوله: (وإن عاد بعد دخول مكة لم يسقط) بالواو، ومعرفة ما فيه.

وأما الحالة الثَّانية: وهي أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرماً فقد أطلق صاحب الكتاب وطائفة في سقوط الدم فيها وجهين، ورواهما القَاضِي أبُو الطَّيِّبِ قولين: وجه عدم السقوط، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- تأكد الإسَاءَة بإنشاء الإحرام من غير موضعه، وراعى الإمام -رحمه الله- من ذلك ترتيب هذه الحالة على التَّفْصِيل المذكور في الأولى فقال: إن قصرت المسافة ففي السّقوط الخِلاَف، وإن طَالَتْ فَالخِلاَفُ مرتب وأولى بألا يَسْقُط، فإن دخل مَكَّة فأولى بعدم السِّقوط من الحَالَةِ الأولى.

وظاهر المَذهب عند الأكثرين أن يفصل فيقال: إن عاد قبل أن يلتبس بنسك سَقَط عنه الدَّم؛ لقطعه المسافة من الميقات محرماً وأداء المَناسِكِ بعده، وإن عاد بعد ما تلبس بِنُسُكٍ لم يسقط لِتَأْدِّيهِ بإحرامٍ نَاقص، ولا فرق بين أن يكون ذلك النُّسك ركناً كالوقوف بعرفة، أو سنة كطواف القُدُوم، ومنهم من لم يجعل للتلبس بالسنة تَأثِيراً، وقال أبو حنيفة -رحمه الله- إذا أحرم بعد مجاوزة الميقات، وعاد قبل أن يتلبس بنُسُكٍ، وَلَبَّى سقط عنه الدّم، وإن عاد ولم يُلَبِّ لم يسقط.

وقوله في أول الفَصْل: (ومهما جاوز ميقاتاً غير محرم فهو مسيئ وعليه الدَّم)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015